اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو لم يَكنْ للمُوصي وَرثةٌ، هل يَجوزُ له أنْ يُوصيَ بزِيادةٍ على الثُّلثِ أو لا يَجوزُ كمَن عندَه وَرثةٌ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ (وهو مَرويٌّ عن ابنِ مَسعودٍ وأبي موسى الأَشعريِّ وإِسحاقَ) إلى أنَّ الإِنسانَ الذي لا وارِثَ له لا بنَسبٍ ولا نِكاحٍ جازَ له أنْ يُوصيَ بمالِه كلِّه؛ لأنَّ المَنعَ من الزِّيادةِ على الثُّلثِ إنَّما كانَ لتَعلُّقِ حَقِّ الوَرثةِ؛ بدَليلِ قَولِ النَّبيِّ ﷺ:«إنَّك أنْ تَدعَ وَرثتَك أَغنياءَ خَيرٌ من أنْ تَدعَهم عالةً يَتكفَّفونَ الناسَ في أَيديهم»(١)، ومَن لا وارِثَ له فليس ممَّن عُنيَ بالحَديثِ، وهو هنا لا وارِثَ له يَتعلَّقُ حَقٌّ بمالِه فأشبَهَ حالَ الصِّحةِ، ولأنَّه لم يَتعلَّقْ بمالِه حَقُّ وارِثٍ ولا غَريمٍ أشبَهَ حالَ الصِّحةِ أو أشبَهَ الثُّلثَ.
ولأنَّ المُسلِمينَ لا يَستحِقونَ مالَه بعدَ مَوتِه على سَبيلِ المِيراثِ؛ لأنَّه لو كانَ كذلك لمَا جازَ أنْ يَستحقَّه الرَّجلُ مع أَبيه؛ لأنَّ الأبَ والجَدَّ لا يَجتمِعانِ في مِيراثٍ واحِدٍ، فعلِمنا أنَّهم لا يَستحِقُّونه على جِهةِ المِيراثِ وإنَّما يُعطيهم الإِمامُ من جِهةِ أنَّه مالٌ لا مالِكَ له، وكانَ للإِمامِ أنْ يَضعَه حيثُ يَرى، فمالِكُه أَولى بذلك من الإِمامِ؛ لأنَّه كانَ مالِكًا له إلى أنْ تُوفِّيَ، ألَا تَرى أنَّه إذا كانَ له وارِثٌ فأَوصَى بأكثَرَ من الثُّلثِ أنَّه إذا لم تُجِزْه الوَرثةُ