دونَ النِّصابِ لا يَفضُلُ على الحاجةِ الأصليَّةِ، فلا يَصيرُ الشَّخصُ غَنيًّا به؛ ولأنَّها وجَبَت شُكرًا لنِعمةِ المالِ، وما دونَ النِّصابِ لا يَكونُ نِعمةً مُوجِبةً لِلشُّكرِ لِلمالِ بل يَكونُ شُكرُه شُكرًا لنِعمةِ البَدنِ لِكَونِه من تَوابعِ نِعمةِ البَدنِ (١).
الحِكمةُ من اشتِراطِ هذه المَقاديرِ:
قال شَيخُ الإِسلامِ الدِّهلَويُّ في بَيانِ الحِكمةِ من هذه المَقاديرِ:
إنَّما قُدِّرَ من الحَبِّ والتَّمرِ خَمسةُ أوسُقٍ (٦١٠ كغ)؛ لأنَّها تَكفي أقَلَّ أهلِ بَيتٍ إلى سَنةٍ، وذلك لأنَّ أقَلَّ البَيتِ الزَّوجُ والزَّوجةُ وثالِثٌ خادِمٌ أو ولَدٌ بينَهما، وما يُضاهِي ذلك من أقَلِّ البُيوتِ، وأغلَبُ قُوتِ الإِنسانِ رَطلٌ أو مُدٌّ من الطَّعامِ، فإذا أكَلَ كلُّ واحِدٍ من هؤلاءِ ذلك المِقدارَ كَفاهم لِسَنةٍ، وبَقيتْ بَقيَّةٌ لِنَوائبِهم أو إِدامِهم.
وإنَّما قُدِّر من الورِقِ (الفِضةِ) خَمسُ أَوراقٍ؛ لأنَّها مِقدارٌ يَكفي أقَلَّ أهلِ بَيتٍ سَنةً كامِلةً إذا كانَت الأسعارُ مُوافِقةً في أكثَرِ الأَقطارِ، واستَقرِئْ عاداتِ البِلادِ المُعتدِلةِ في الرُّخصِ والغَلاءِ، وستَجدُ ذلك.
وإنَّما قُدِّر من الإبِلِ خَمسةُ ذَودٍ، وجُعلَ زَكاتُه شاةً، وإنْ كانَ الأصلُ ألَّا تُؤخَذَ الزَّكاةُ إلا مِنْ جِنسِ المالِ وأنْ يُجعَلَ النِّصابُ عَددًا له بالٌ؛ لأنَّ الإبِلَ أعظَمُ المَواشي جُثَّةً وأكثَرُها فائِدةً: يُمكِنُ أنْ تُذبحَ، وتُركَبَ، وتُحلَبَ، ويُطلَبَ منها النَّسلُ، ويُستدفأَ بأَوبارِها وجُلودِها، وكان بعضُهم يَقتَني نَجائِبَ قَليلةً تَكفي كِفايةَ الصِّرمةَ، وكان البَعيرُ يُسَوَّى في ذلك الزَّمانِ بعَشرِ