وقَد صرَّحُ أصحابُنا: مَنْ كانَ جُنونُه لنَشافٍ أو بَرسامٍ لا يَقعُ طلاقُه، ويَسقُطُ حُكمُ تَصرُّفِه، وإنْ كانَتْ مَعرفتُه غَيرَ ذاهِبةٍ بالكُليةِ، ولا يَضرُّه أنْ يَذكُرَ الطَّلاقَ وأنه أوقَعَه.وما ذَكرْناهُ مِنْ دُعاءِ النَّبيِّ ﷺ ربَّهُ أنْ يَجعلَ سَبَّهُ لمَن سَبَّهُ في حالِ غَضبِه صَريحٌ في أنَّه غَيرُ مُريدٍ لهُ؛ إذْ لو أرادَهُ واختارَه لم يَسألْ ربَّه أنْ يَفعلَ بالمَدعوِّ عليهِ ضدَّ ما دعا بهِ عليهِ؛ إذْ لا يُتصوَّرُ إرادةُ ضِدَّينِ في حالةٍ واحِدةٍ، وهذا وحْدَه كافٍ في المَسألةِ.فهذا ما ظهَرَ في هذِه المَسألةِ بعْدَ طُولِ التأمُّلِ والفِكرِ، ونَحنُ مِنْ وَراءِ القَبولِ والشُّكرِ لمَن رَدَّ ذلكَ بحُجَّةٍ يَجبُ المَصيرُ إليها، ومِن وَراءِ الرَّدِّ على مَنْ رَدَّ ذلكَ بالهَوى والعِنادِ، واللهُ المُستعانُ، وعليهِ التُّكلانُ، وصلَّى اللهُ على سيِّدِ المُرسَلِينَ وخاتمِ النَّبيِّينَ، وعلى آلِهِ وأصحابِه وعِتْرَتِه وأنصارِهِ، صلاةً دائِمةً بدَوامِ مُلكِ اللهِ ﷿.إلى هُنا انتَهى كلامُ الإمامِ ابنِ القيِّمِ وانتهَتْ رِسالتُه الماتِعةُ، وإنَّما ذكَرْتُها ولم أحذِفْ مِنها إلَّا الشَّيءَ اليَسيرَ؛ لعِظَمِ نَفعِها؛ إذْ هي لُبُّ بابِ الطَّلاقِ، فعامَّةُ الطَّلاقِ الَّذي يقَعُ بيْنَ المُسلمِينَ اليومَ يَكونُ في حالةِ الغَضبِ الَّتي أفرَدَها الإمامُ في رِسالتِه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute