للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابلةُ: إنِ ادَّعى كلٌّ مِنْ الزَّوجينِ ظلْمَ صاحِبِه أسكَنَهما الحاكمُ إلى جانِبِ ثقةٍ يُشرفُ عليهما ويَكشفُ حالَهُما ليَعلمَ الظَّالمَ مِنهما، ويُلزِمُهما الثِّقةُ الإنصافَ؛ لأنَّ ذلكَ طريقٌ إلى الإنصافِ، فتَعيَّنَ بالحكمِ كالحقِّ، ويَكونُ الإسكانُ المَذكورُ قبْلَ بعْثِ الحكَمَينِ؛ لأنَّهُ أَسهلُ.

فإنْ تعذَّرَ إسكانُهُما قُربَ ثقةٍ يُشرفُ عليهما، أو تَعذَّرَ إلزامُهما الحقَّ وتَشاقَّا وخرَجَا إلى الشِّقاقِ والعَداوةِ وبلغَا إلى المشاتَمةِ ولم يُمكِنْ إنصافُ أحدِهِما مِنْ صاحبِه وخِيفَ الشِّقاقُ بينَهما بعَثَ الحاكِمُ حكَمَينِ (١).

التَّحكيمُ عندَ الشِّقاقِ بيْنَ الزَّوجينِ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المُسلمينَ على أنَّ الزَّوجينِ إذا وَصلَا إلى حالةٍ مِنْ الشِّقاقِ والسِّبابِ والنُّفورِ واشتدَّ الخِلافُ بينَهُما وأشكَلَ أمرُهُما وخِيفَ مِنْ تعدِّيهِما إلى ما حرَّمَ اللهُ أنَّه يُبعثُ حكَمانِ حكَمٌ مِنْ أهلِه وحكَمٌ مِنْ أهلِها إنْ وُجِدَا، فيَنظرانِ بينَهُما ويَفعلانِ ما يَريانِ المَصلحةَ فيهِ لهُما مِنْ جَمعٍ أو تَفريقٍ؛ لقَولهِ تعالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: ٣٥].

قالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : اتَّفقَ العُلماءُ على جَوازِ بَعثِ الحكَمَينِ إذا وقَعَ التَّشاجرُ بينَ الزَّوجينِ وجُهلَتْ أحوالُهُما في التَّشاجُرِ، أعني المُحقُّ


(١) «المغني» (٧/ ٢٤٣)، و «الكافي» (٣/ ١٣٩)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٤٤٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٣٩)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>