وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ مَنْ ضرَبَ غيرَه بعَصًا صَغيرةٍ أو بحَجرٍ صَغيرٍ أو لَطمةٍ ونحوِ ذلكَ ممَّا لا يَكونُ الغالِبُ فيه الهَلاكَ كالسَّوطِ ونحوِه إذا ضرَبَ ضَربةً أو ضَربتينِ ولم يُوالِ في الضَّرباتِ أنه شِبهُ عَمدٍ، ولا يَجبُ فيهِ القَصاصُ، وكذا إنْ ضرَبَه بالسَّوطِ الصَّغيرِ ويُوالي في الضَّرباتِ إلى أنْ يَموتَ، وهذا شِبهُ عَمدٍ بلا خِلافٍ عندَ فُقهاءِ الحَنفيةِ (١).
ثالثًا: إذا قتَلَه خَنقًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن قتَلَ غيرَه خَنقًا بيَدِه أو بحَبلٍ أو طرَحَ على وَجهِه مِخدةً أو مِنديلًا واتَّكأَ عليهِ حتى ماتَ، هل يُعتبرُ قتْلَ عَمدٍ ويُقتصُّ منه؟ أم هو شِبهُ عَمدٍ؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ والصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنَّ مَنْ قتَلَ غيرَه خَنقًا بيَدِه أو بحَبلٍ أو طرَحَ على وَجههِ مِخدةً أو مِنديلًا واتَّكأَ عليهِ حتَّى ماتَ فهوَ قَتلُ عَمدٍ، ويُقتَصُّ منهُ إذا فعَلَ ذلكَ مُدةً يَموتُ المَخنوقُ مِنْ مثلِها غالبًا، فيَجبُ على قاتِلِه القَودُ؛ لأنه تَعمَّدَ قتْلَه بما يَقتلُ غالِبًا؛ لقَولِ اللهِ جَلَّ ذِكرُه: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا … ﴾ [النساء: ٩٣]، وهذا قاتِلُ عَمدٍ، فعَليهِ القتلُ.
قالَ الصاحِبانِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: إذا خنَقَه حتى ماتَ فهو عَمدٌ وفيهِ القَودُ، وهذا إذا دامَ على الخَنقِ حتَّى ماتَ، أما إذا ترَكَه قبلَ المَوتِ يُنظَرُ؛ إنْ
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٣)، و «الاختيار» (٥/ ٣١، ٣٢)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ١٩٧)، و «اللباب» (٢/ ٢٣٧)، و «درر الحكام» (٥/ ٤٢٤).