للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَبَهًا مِمَّنِ استَأجَرَ ظَهرًا إلى مَكانٍ فجاوَزَه، وشَبَهًا مِمَّنِ اكتَرى أرضًا لِلزَّرعِ، فزَرَعَ غَيرَها؛ فخُيِّرَ بينَ الحُكمَيْنِ.

وقالَ الحَنفيَّةُ: لَوِ استَأجَرَ أرضًا لِيَزرَعَها حِنطةً فزَرَعَها رَطْبةً ضَمِنَ ما نَقَصَها؛ لأنَّ الرَّطبةَ مع الزَّرعِ جِنسانِ مُختَلِفانِ؛ إذِ الرَّطبةُ لَيسَت لَها نِهايةٌ مَعلومةٌ، بخِلافِ الزَّرعِ؛ لأنَّ الرِّطابَ أضَرُّ بالأرضِ مِنْ الحِنطةِ؛ لِانتِشارِ عُروقِها فيها، وكَثرةِ الحاجةِ إلى سَقْيِها، فكانَ خِلافًا إلى شَرٍّ، فيَضمَنُ ما نَقَصَها، ولا أجْرَ لَه؛ لأنَّه غاصِبٌ لِلأرضِ، لأنَّ الأجرَ مع الضَّمانِ لا يَجتَمِعانِ.

المَسألةُ الثَّالثةُ: إجارةُ العَينِ المُستَأجَرةِ:

ذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ -في الجُملةِ- والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ -في المَذهبِ- إلى أنَّه يَجوزُ لِلمُؤجِّرِ أنْ يُؤجِّرَ العَينَ المُستَأجَرةَ إذا قَبَضَها؛ لأنَّ الإجارةَ كالبَيعِ، وبَيعُ المَبيعِ يَجوزُ بعدَ القَبضِ، فكذلك إجارةُ المُستَأجِرِ، ولأنَّ قَبْضَ العَينِ قامَ مَقامَ قَبْضِ المَنافِعِ، بدَليلِ أنَّه يَجوزُ التَصرُّفُ فيها، فجازَ العَقدُ عليها، كَبَيعِ الثَّمرةِ على الشَّجرةِ.

وَذَهَبَ القاضي مِنْ الحَنابِلةِ، وحَكاه رِوايةً في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ إجارةُ العَينِ المُستَأجَرةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ نَهَى عن رِبحِ ما لَم يُضمَنْ، والمَنافِعُ لَم تَدخُلْ في ضَمانِه، ولأنَّه عَقدٌ على ما لَم يَدخُلْ في ضَمانِه؛ فلَم يَجُزْ، كَبَيعِ المَكيلِ والمَوزونِ قبلَ قَبضِه.

وقالَ المالِكيَّةُ: وحُكمُ الإقدامِ على إجارةِ المُستَأجِرِ لِمَا استَأجَرَه مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>