للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ- خَلطُ الوَديعِ وَديعتَينِ لشَخصينِ:

قالَ الإِمامُ عَلاءُ الدِّينِ الكاسانِيُّ : ولو أودَعَه رَجلانِ كلُّ واحدٍ منهما أَلفَ دِرهمٍ فخلَطَ المُودَعُ المالَينِ خَلطًا لا يَتميزُ فلا سَبيلَ لهما على أَخذِ الدَّراهمِ، ويَضمنُ المُودَعُ لكلِّ واحدٍ منهما أَلفًا، ويَكونُ المَخلوطُ له، وهذا قَولُ أَبي حَنيفةَ.

وقالَ أَبو يُوسفَ ومُحمدٌ: هما بالخِيارِ، إنْ شاءا اقتَسَما المَخلوطَ نِصفينِ وإنْ شاءا ضَمَّنا المُودَعَ أَلفينِ.

وعلى هذا الخِلافِ سائِرُ المَكيلاتِ والمَوزوناتِ إذا خلَطا الجِنسَ بالجِنسِ خَلطًا لا يَتميزُ، كالحِنطةِ بالحِنطةِ والشَّعيرِ بالشَّعيرِ والدُّهنَ بالدُّهنِ.

وَجهُ قَولِهما: إنَّ الوَديعةَ قائِمةٌ بعَينِها، لكنْ عجَزَ المالِكُ عن الوُصولِ إليها بعارِضِ الخَلطِ، فإنْ شاءا اقتَسَما لاعتِبارِ جِهةِ القِيامِ، وإنْ شاءا ضمِنا لاعتِبارِ جِهةِ العَجزِ.

وَجهُ قَولِ أَبي حَنيفةَ أنَّه لمَّا خلَطَهما خَلطًا لا يَتميزُ فقد عجَزَ كلُّ واحدٍ منهما عن الانتِفاعِ بالمَخلوطِ، فكانَ الخَلطُ منه إِتلافًا للوَديعةِ عن كلِّ واحدٍ منهما فيَضمنُ، ولهذا يَثبتُ اختِيارُ التَّضمينِ عندَهما، واختِيارُ التَّضمينِ لا يَثبتُ إلا بوُجودِ الإِتلافِ، دلَّ أنَّ الخَلطَ منه وقَعَ إِتلافًا.

ولو أودَعَه رَجلٌ حِنطةً وآخرُ شَعيرًا فخلَطَهما فهو ضامِنٌ لكلِّ واحدٍ منهما مِثلَ حقِّه عندَ أَبي حَنيفةَ؛ لأنَّ الخَلطَ إِتلافٌ، وعندَهما لهما أنْ يَأخذا العَينَ ويَبيعاها ويَقتسِما الثَّمنَ على قِيمةِ الحِنطةِ مَخلوطًا بالشَّعيرِ وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>