اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ شَهادةِ الصِّبيانِ بعضِهم على بعضٍ هل تَجوزُ أو لا؟
فذهَبَ المالِكيةُ والإِمامُ أَحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه تَجوزُ شَهادةُ الصِّبيانِ بعضِهم على بعضٍ في الجِراحِ والشِّجاجِ، ولا تَجوزُ على غيرِهم وإنَّما تَجوزُ فيما بينَهم من الجِراحِ وَحدَها قبلَ أنْ يَتفرَّقوا أو يُخبَّبوا أو يُعلَّموا، فإذا افتَرَقوا فلا شَهادةَ لهم إلا أنْ يَكونَ أشهَدَ على شهادَتِهم العُدولُ قبلَ أنْ يَتفرَّقوا غيرَهم، وإنَّما تَجوزُ شَهادةُ الأَحرارِ الذُّكورِ منهم، ولا تَجوزُ شَهادةُ الجَوارِي مِنْ الصِّبيانِ.
ولا تَجوزُ شَهادةُ الأَحرارِ الذُّكورِ منهم إلا حيثُ لا يَحضُرُها البالِغونَ؛ لأنَّه لا ضَرورةَ إليهم إذا حضَرَها الرِّجالُ، وإنَّما تَجوزُ شَهادتُهم في الجِراحِ والشِّجاجِ ما لم يَفتَرِقوا أو يُخبَّبوا أو تَختلِفَ أَقوالُهم، مِثلَ أنْ يَشهدَ منهم صِبيانٌ على صَبيٍّ أنَّه شَجَّ صَبيًّا، ويَشهدَ آخَرانِ أنَّ غيرَه من الصِّبيانِ شَجَّه تلك الشَّجةَ بعينِها، وإنِ افتَرَقوا لم تُقبَلْ لهم شَهادةٌ إلا أنْ يشهدَ الرِّجالُ العُدولُ على شَهادَتِهم قبلَ أنْ يَفتَرِقوا.
ولا تُقبلُ شَهادَتُهم على رَجلٍ أنَّه شَجَّ صَبيًّا، ولا على صَبيٍّ أنَّه شَجَّ رَجلًا، ولو اجتمَعَ سِتةُ صِبيانٍ فأغرَقوا صَبيًّا منهم في الماءِ فماتَ فشهِدَ منهم اثنانِ على ثَلاثةٍ أنَّهم أغرَقوه، وشهِدَ الثَّلاثةُ على الاثنَينِ أنَّهما أغرَقاه، كانَت الدِّيةُ على عَواقِلِهم أَخماسًا، فكانَ خُمسُ الدِّيةِ على عاقِلةِ كلِّ صَبيٍّ منهم؛ لأنَّه يَدرَأُ عن نَفسِه، ولا تُقبلُ شَهادةُ بعضِهم على بعضٍ.