للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُلماءِ المُسلِمينَ، ومِثلُ هذا لا يَفعَلُه مَنْ يُؤمِنُ باللهِ ورَسولِه، وإنَّما يَفعلُه الكُفارُ والمُنافِقونَ ومَن لبَّسوا عليه ذلك مِنْ وُلاةِ أُمورِ المُسلِمينَ، فإذا عرَف وُلاةُ أُمورِ المُسلِمينَ الحالَ عَمِلوا في ذلك ما أمَرَ اللهُ بهِ ورَسولُه ، واللهُ أعلَمُ، وصَلَّى اللهُ على مُحمدٍ (١).

سابِعًا: السَّلامةُ من العاهاتِ المُزمِنةِ:

إذا أُصيبَ المُطالَبُ بالجِزيةِ بعاهةٍ مُزمِنةٍ، كالمَرضِ أو العَمى أو الكِبَرِ المُقعِدِ عن العَملِ والقِتالِ، فهل تُؤخذُ منه الجِزيةُ أو لا؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في ذلك:

فظاهِرُ الرِّوايةِ عندَ الحَنفيةِ وما هو مَذهبُ المالِكيةِ والحَنابِلةِ، والشافِعيِّ في أحدِ قَولَيه: أنَّ الجِزيةَ لا تُؤخذُ من هؤلاء، ولو كانُوا مُوسِرينَ، واستدَلُّوا بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩]. ففَحوى الآيةِ يَدلُّ على أنَّ الجِزيةَ تُؤخذُ ممَّن كانَ منهم من أهلِ القِتالِ؛ لاستِحالةِ الخِطابِ بالأمرِ بقِتالِ مَنْ ليسَ من أهلِ القِتالِ؛ إذِ القِتالُ لا يَكونُ إلا بينَ اثنَينِ، ومَن يُمكِنُه أداؤُه من المحتَرِفينَ، ولذلك لا تُؤخذُ الجِزيةُ ممَّن لم يَكنْ من أهلِ القِتالِ: كالأعمى والزَّمِنِ والمَفلوجِ والشَّيخِ الكَبيرِ الفاني؛ سَواءٌ أكانَ مُوسِرًا أم غيرَ مُوسِرٍ؛ ولأنَّ الجِزيةَ تُؤخذُ ممَّن أُبيحَ قَتلُه من الحَربيِّينَ، وهؤلاء لا يُقتَلون (٢).


(١) «مجموع الفتاوي» (٢٨/ ٦٥٩، ٦٦٣).
(٢) «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٧٩)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ٥٠، ٥١)، و «الكافي» لابن عبد البر (١/ ٤٧٩)، و «بلغة السالك» (٢/ ١٩٨)، و «المغني» (١٢/ ٦٧٣)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٢٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٢٠)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٢٢)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٥٣، ٥٤)، و «المهذب» (٢/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>