للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكرارُ الاستِعاذةِ في كلِّ رَكعةٍ:

الاستِعاذةُ مَشروعةٌ في الرَّكعةِ الأُولى باتِّفاقِ مَنْ يَقولُ بها، أمَّا تَكرارُها في بَقيَّةِ الرَّكعاتِ فإنَّ الفُقهاءَ يختلِفونَ فيه على رَأيَينِ.

الأوَّلُ: استِحبابُ التَّكرارِ في كلِّ رَكعةٍ، وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ مِنْ المالِكيَّةِ -ولم يُنقَل أنَّ أحَدًا منهم خالَفَه- وهو المَذهبُ عندَ الشافِعيَّةِ وهو رِوايةٌ عن أحمدَ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]، وقد وقعَ الفَصلُ بينَ القِراءَتَينِ، فأشبَهَ ما لو قطعَ القِراءةَ في خارِجِ الصَّلاةِ بشُغُلٍ، ثم عادَ إليها، يُستحبُّ له التَّعوُّذُ، ولأنَّ الأمرَ مُعلَّقٌ على شَرطٍ، فيَتكرَّرُ بتَكرارِه، كما في قولِه تَعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]، وأيضًا إن كانَت مَشروعةً في الرَّكعةِ الأُولى فهي مَشروعةٌ في غيرِها مِنْ الرَّكعاتِ؛ قِياسًا، لِلاشتِراكِ في العِلَّةِ.

والرَّأيُ الآخَرُ: كَراهَةُ تَكرارِ الاستِعاذةِ في الرَّكعةِ الثانيةِ وما بعدَها، وهو مَذهبُ الحَنفيَّةِ وقَولٌ لِلشافِعيَّةِ وهو المَذهبُ عندَ الحَنابلَةِ؛ لِحَديثِ أبي هُريرةَ قالَ: «كانَ رَسولُ اللهِ إذا نَهَضَ مِنْ الرَّكعَةِ الثَّانيَةِ استَفتَحَ القِراءَةَ بِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [﴿: ٢]، ولم يَسكُت» (١). فهذا يدلُّ على أنَّه لم يكن يَستَعيذُ، ولأنَّ الصَّلاةَ جُملةٌ واحدةٌ، فالقِراءةُ فيها كلِّها كالقِراءةِ الواحدةِ، ولذلك عددنا التَّرتيبَ في القِراءةِ في الرَّكعتَينِ، فأشبَهَ ما لو سجدَ لِلتِّلاوةِ في أثناءِ قِراءَتِه، فإذا أتَى


(١) رواه مسلم (٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>