للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصلٌ: وإنْ شرَطَ في الوَقفِ أنْ يُخرِجَ مَنْ شاءَ مِنْ أهلِ الوَقفِ ويُدخِلَ مَنْ شاءَ مِنْ غَيرِهم لم يَصحَّ؛ لأنه شَرطٌ يُنافي مُقتضَى الوَقفِ، فأفسَدَه كما لو شرَطَ أنْ لا يَنتفِعَ، وإنْ شرَطَ للنَّاظرِ أنْ يُعطيَ مَنْ يَشاءُ مِنْ أهلِ الوَقفِ ويَحرِمَ مَنْ يَشاءُ جازَ؛ لأنَّ ذلكَ ليسَ بإخراجٍ للمَوقوفِ عليه مِنْ الوَقفِ، وإنَّما علَّقَ استِحقاقَ الوَقفِ بصِفةٍ، فكأنهُ جعَلَ له حقًّا في الوَقفِ إذا اتَّصَفَ بإرادةِ الوَالي لعَطيَّتِه ولمْ يَجعلْ له حقًّا إذا انتَفتْ تِلكَ الصِّفةُ فيه، فأشبَهَ ما لو وقَفَ على المُشتغِلينَ بالعِلمِ مِنْ ولَدِه، فإنهُ يَستحِقُّ مِنهم مَنْ اشتَغلَ به دونَ مَنْ لم يَشتَغلْ، فلو ترَكَ المُشتغِلُ الاشتِغالَ زالَ الاستِحقاقُ، وإذا عادَ إليه عادَ استِحقاقُه، واللهُ أعلَمُ (١).

الشَّرطُ الثَّالثُ: التَّأبيدُ، فلا يَصحُّ تَوقيتُ الوَقفِ بمدَّةٍ:

اختَلفَ الفُقَهاءُ في الوَقفِ هل يُشتَرطُ فيهِ التَّأبيدُ؟ أم يَجوزُ أنْ يُؤقَّتَ بمدَّةٍ ثمَّ يَرجعُ بعدَها إلى مِلكِ الواقفِ؟ وما الحُكمُ إذا وقَّتَه هل يَصحُّ مع فَسادِ التَّوقيتِ؟ أم يَبطلُ الوَقفُ لفَسادِ الصِّيغةِ؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يُشترطُ في الوَقفِ التَّأبيدُ، بأنْ يَجعلَ آخِرَه لجِهةٍ لا تَنقطِعُ أبَدًا؛ لأنَّ المَقصودَ مِنْ الوَقفِ التَّأبيدُ كالعِتقِ، وهذا كقَولِه: «جَعلْتُ أَرضي هذه صَدقةً مَوقوفةً على أولادِ فُلانٍ ما تَناسَلُوا فإذا انقَرضُوا كانَتْ غلَّتُها للمَساكينِ»؛ لأنَّ أثَرَ المَساكينِ لا يَنقطعُ أبَدًا، وإذا لم يَقُلْ ذلكَ لم يَصحَّ؛


(١) «المغني» (٥/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>