للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القُرطُبيُّ : وأمَّا العَبد فلا خِلافَ فيه (١)، أي: في الحَجْرِ عليه.

وقال ابنُ هُبيرةَ : واتَّفَقوا على أنَّ الأسبابَ المُوجِبةَ لِلحَجرِ الصِّغَرُ والرِّقُّ والجُنونُ (٢).

٤ - الحَجْرُ على السَّفيهِ البالِغِ العاقِلِ:

اختَلَف الفُقهاءُ فيما إذا بَلَغ الإنسانُ رَشيدًا ثم دُفِعَ إليه مالُه ثم حَدَث له تَبذيرٌ وسَفَهٌ مُفسِدٌ لِمالِه مُتلِفٌ له فيما لا يَعودُ عليه بمَحمدةٍ في الدُّنيا ولا بأجرٍ في الآخِرةِ، هل يُحجَرُ عليه أم لا؟

فذهَب جَماهيرُ أهلِ العِلمِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ والصاحبانِ مِنَ الحَنفيَّةِ أبو يُوسُفَ ومُحمدٌ إلى أنَّه يُحجَرُ عليه إنْ عاد إلى السَّفَهِ؛ لقَولِ اللهِ : ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وهو تَنصيصٌ على إثباتِ الوِلايةِ على السَّفيهِ وأنَّه مَولًى عليه، ولا يَكونُ ذلك إلا بعدَ الحَجْرِ عليه.

ولقَولِه : ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا﴾ [النساء: ٥]، الآيةَ، والمُرادُ بالسُّفهاءِ البالِغونَ العُقلاءُ؛ لأنَّ السَّفَهَ صِفةُ قيامٍ لا تَتوَجَّهُ إلا على مُكلَّفٍ، فدَلَّتْ هذه الآيةُ على استِحقاقِ الحَجْرِ بالسَّفَهِ مِنْ وَجهَيْنِ:


(١) «تفسير القرطبي» (٥/ ٢٩).
(٢) «الإفصاح» (١/ ٤٢٦)، ويُنظر: «أحكام القرآن» لِلجصاص (٢/ ٢٢٣)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٢٣٦)، و «حاشية العدوي على شرح الخرشي» (٥/ ٣٠١)، و «المغني» (٤/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>