اختَلفَ الفُقهاءُ في تَحمُّلِ الشَّهادةِ وأَدائِها في حُقوقِ اللهِ تَعالى، هل هي فَرضٌ كِفائيٌّ؟ أو جائِزٌ للإِنسانِ أنْ يَتحمَّلَها وجائِزٌ أنْ يَتركَها؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الشَّهادةَ في الحُدودِ كحَدِّ الزِّنا وحَدِّ الخَمرِ يُخيَّرُ فيها الشاهِدُ بينَ السَّتْرِ والإِظهارِ؛ لأنَّه بينَ حِسبتَينِ: إِقامةِ الحَدِّ والتَّوقِّي عن الهَتكِ؛ فإنْ ستَرَ فقد أحسَنَ، وإنْ أظهَرَ فقد أظهَرَ حَقًّا للهِ تَعالى، فلذلك خُيِّر فيها.
والسَّتْرُ أفضَلُ؛ لحَديثِ:«ومَن ستَرَ مُسلمًا ستَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرةِ»(١)، ولأنَّ الإِظهارَ حَقٌّ للهِ تَعالى وهو غَنيٌّ عنه، ولأنَّ السَّتْرَ تَركُ كَشفِ الآدَميِّ وهو مُحتاجٌ إليه فكانَ أوْلى.
ولأنَّ حُقوقَ اللهِ مَبنيةٌ على المُسامَحةِ، ولا ضرَرَ في تَركِها على أحدٍ، والسَّتْرُ مَأمورٌ به، ولذلك اعتُبِرَ في الزِّنا أربَعةُ رِجالٍ وشُدِّدَ فيه على الشُّهودِ ما لم يُشدَّدْ على غيرِهم طلَبًا للسَّتْرِ.
إلا أنَّه يَجبُ أنْ يَشهدَ بالمالِ في السَّرقةِ؛ لأنَّ المالَ حَقُّ الآدَميِّ، فلا يَسعُه كِتمانُه.
(١) أخرجه البخاري (٢٣١٠)، ومسلم (٢٦٩٩)، واللفظ له.