للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- زَواجُ الحَربيةِ بالمُسلِمِ أو الذِّميِّ:

صرَّحَ الحَنفيةُ بأنَّ الحَربيةَ المُستأمَنةَ إذا تَزوَّجت مُسلمًا أو ذِميًّا فقد تَوطَّنت وصارَت ذِميةً؛ لأنَّ المَرأةَ في المَسكنِ تابِعةٌ للزَّوجِ، ألا تَرى أنَّها لا تَملِكُ الخُروجَ إلا بإذنِه، فجَعلُها نَفسَها تابِعةً لمَن هو في دارِنا هو رِضًا بالتَّوطُّنِ في دارِنا على التأبيدِ، ورِضاها بذلك دِلالةٌ كالرِّضا بطَريقِ الإفصاحِ.

فلهذا صارَت ذِميَّةً، بخِلافِ المُستأمَنِ إذا تَزوَّجَ ذِميَّةً؛ لأنَّ الزَّوجَ لا يَكونُ تابِعًا لامرأتِه في المُقامِ، فزَواجُه من الذِّميَّةِ لا يَدلُّ على رِضاه بالبَقاءِ في دارِ الإسلامِ، فلا يَصيرُ ذِميًّا (١).

وأمَّا الحَنابِلةُ، فالظاهِرُ أنَّهم خالَفوا الحَنفيةَ في هذا الحُكمِ، قالَ صاحِبُ «المُغني»: إذا دخَلَت الحَربيةُ إلينا بأَمانٍ فتَزوَّجت ذِميًّا في دارِنا ثم أَرادَت الرُّجوعَ لم تُمنَعْ إذا رضِيَ زَوجُها أو فارَقها.

وقالَ أبو حَنيفةَ: تُمنَعُ.

ولنا: أنَّه عقَد لا يُلزِمَ الرَّجلَ المُقامَ به، فلا يَلزمُ المَرأةَ كعَقدِ الإِجارةِ (٢).

ولمْ أعثُرْ في كُتبِ المالِكيةِ والشافِعيةِ على هذا الحُكمِ.


(١) «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٨٤)، و «البدائع» (٧/ ١١٠)، و «السير الكبير» (٥/ ١٨٦٥)، و «الزيلعي» (٢/ ٢٦٩).
(٢) «المغني» (١٢/ ٥٠٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>