عليهِ وقيامِ عُذرِه تَخفيفًا عنه ورِفقًا به، والعامِدُ لا عُذرَ له، فلا يَستحقُّ التَّخفيفَ ولا يُوجَدُ فيه المَعنى المُقتضِي للمُواساةِ في الخَطأِ.
إذا ثبَتَ هذا فإنها تَجبُ حالَّةً، وبهذا قالَ مالِكٌ والشافِعيُّ.
وقالَ أبو حَنيفةَ: تَجبُ في ثَلاثةِ سِنينَ؛ لأنها ديَةُ آدَميٍّ، فكانَتْ مُؤجَّلةً كدِيةِ شبهِ العَمدِ.
ولنا: إنَّ ما وجَبَ بالعَمدِ المَحضِ كانَ حالًّا كالقِصاصِ وأرشِ أطرافِ العَبدِ، ولا يُشبهُ شِبهَ العَمدِ؛ لأنَّ القاتلَ مَعذورٌ لكَونِه لم يَقصدِ القتلَ، وإنما أفضَى إليه مِنْ غيرِ اختيارٍ منه، فأشبَهَ الخَطأَ، ولهذا تَحملُه العاقِلةُ، ولأنَّ القَصدَ التَّخفيفُ على العاقِلةِ الذينَ لم تَصدرْ منهُم جِنايةٌ، وحَمَلوا أداءَ مالٍ مُواساةً، فالأرفَقُ بحالِهم التَّخفيفُ عنهُم، وهذا مَوجودٌ في الخَطأِ وشِبهِ العَمدِ على السَّواءِ، وأما العَمدُ فإنما يَحملُه الجاني في غيرِ حالِ العُذرِ، فوجَبَ أنْ يكونَ مُلحَقًا ببَدلِ سائرِ المُتلَفاتِ، ويُتصوَّرُ الخِلافُ معَه فيما إذا قتَلَ ابنَه أو قتَلَ أجنَبيًّا وتَعذَّرَ استيفاءُ القِصاصِ لعَفوِ بعضِهم أو غيرِ ذلكَ (١).
الدِّيةُ في قَتلِ العَمدِ مُغلَّظةٌ:
أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ الدِّيةَ في قَتلِ العَمدِ مُغلَّظةٌ، وتكونُ حالَّةً وفي مالِ الجاني إجماعًا.
فهي مُغلَّظةٌ مِنْ ثَلاثةِ أوجُهٍ: كَونُها على الجاني، وحالَّةً، ومِن جِهةِ السِّنِّ.
(١) «المغني» (٨/ ٢٩٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute