٣ - بَيعُ التَّلجِئةِ:
صُورةُ بَيعِ التَّلجِئةِ أو بَيعِ الأمانةِ: أنْ يَخافَ إنسانٌ اعتِداءَ ظالِمٍ على بَعضِ ما يَملِكُ، فيَتظاهَرُ هو ببَيعِه لِثالِثٍ؛ فِرارًا مِنه؛ لِيَحتَميَ بذلك، ولا يُريدانِ بَيعًا حَقيقيًّا، ويَتمُّ العَقدُ مُستوفِيًا أركانَه وشَرائِطَه.
وقد اختلَف الفُقهاءُ في بَيعِ التَّلجِئةِ على قَولَيْنِ:
القَولُ الأوَّلُ: إنَّه عَقدٌ باطِلٌ غيرُ صَحيحٍ، وهو قَولُ الحَنابِلةِ وظاهِرُ الرِّوايةُ عن أبي حَنيفةَ وهو قَولُ أبي يُوسفَ ومُحمَّدٍ؛ لأنَّ العاقِدَيْنِ تَكَلَّما بصِيغةِ البَيعِ، لا على قَصدِ الحَقيقةِ، وهو تَفسيرُ الهَزلِ، والهَزلُ يَمنَعُ جَوازَ البَيعِ؛ لأنَّه يُعدِمُ الرِّضا بمُباشَرةِ السَّببِ؛ فلَم يَكُنْ هذا بَيعًا مُنعَقِدًا في حَقِّ الحُكمِ. ولأنَّ القَصدَ مِنه التَّقيَّةَ فَقط؛ لِحَديثِ: «وإنَّما لِكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى» (١).
والحُكمُ ببُطلانِ هذا البَيعِ لِمَكانِ الضَّرورةِ، فلو اعتَبَرْنا وُجودَ الشَّرطِ عندَ البَيعِ لا تَندفِعُ الضَّرورةُ.
أمَّا إذا باعَ شَيئًا فِرارًا مِنْ ظالِمٍ ونَحوِه مِنْ غيرِ أنْ يَتَّفقَ مع المُشتَرِي على أنَّ هذا بَيعُ تَلجِئةٍ وأمانةٍ فإنَّ البَيعَ يقعُ صَحيحًا؛ لأنَّه صدَر مِنْ غيرِ إكراهٍ في هذه الحالةِ.
وكذا لو أُكرِهَ على أنْ يَستحضِرَ مالًا، فباعَ مِلْكَه في ذلك صَحَّ البَيعُ؛ لأنَّه لَم يُكرَهْ على البَيعِ، وإنَّما أُكرِهَ على سَبَبِ البَيعِ، وإنَّما يُكرَهُ الشِّراءُ مِنه؛ لأنَّه بَيعٌ بدُونِ ثَمَنِ مِثلِه.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وقد تقدم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute