للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الجَوابُ عن قياسِهم على اللِّعانِ، فمِن وَجهينِ:

أَحدُهما: أنَّ الحُكمَ لمْ يَنفذْ بالكَذبِ، وإنما نفَذَ باللِّعانِ.

والثانِي: أنَّ اللِّعانَ استِئنافُ فُرقةٍ، والحُكمُ بشَهادةِ الزُّورِ إنما هو تَنفيذٌ لفُرقةٍ سابقةٍ، فإذا لمْ تَكنْ لمْ يَصحَّ تَنفيذُ مَعدومٍ.

وأمَّا الجَوابُ عما استدَلُّوا به مِنْ حُكمِ الحاكمِ مِنْ مَسائلِ الاجتِهادِ، فهو أنْ ليسَ في الباطنِ ما يُخالفُ الظاهرَ، فلذلك نفَذَ حُكمُه في الظاهرِ والباطنِ، وخالَفَ شَهادةَ الزُّورِ التي تُخالفُ الظاهرُ فيها الباطنَ، فلذلك نفَذَ حُكمُه في الظاهرِ دونَ الباطنِ (١).

المَسألةُ الخامسةُ: للقاضِي أَخذُ الرِّزقِ على القَضاءِ:

نصَّ عامةُ العُلماءِ على أنَّ القاضِي إذا كانَ مُحتاجًا جازَ له أَخذُ الرِّزقِ مِنْ بَيتِ مالِ المُسلِمينَ، وإنْ لمْ يَكنْ مُحتاجًا فاختلَفُوا فيه واتفَقُوا على أنَّه لا يَجوزُ أَخذُ الأُجرةِ على القَضاءِ، وإنما يأخذ رِزقًا.

قالَ الإِمامُ الكاسانيُّ : «وهل للقاضِي أنْ يَأخذَ الرِّزقَ فإنْ كانَ فَقيرًا له أنْ يَأخذَ؛ لأنَّه يَعملُ للمُسلِمينَ فلا بدَّ له مِنَ الكِفايةِ، ولا كِفايةَ له، فكانَتْ كِفايتُه في بَيتِ المالِ إلا أنْ يَكونَ له ذلك أُجرةُ عَملِه، ويَنبغي للإِمامِ أنْ يُوسعَ عليه وعلى عيالِه كيلا يَطمعَ في أَموالِ الناسِ.


(١) «الذخيرة» (١٠/ ١٤٦، ١٤٧)، و «الفروق» (٤/ ١٠٠، ١٠١)، و «الحاوي الكبير» (١٧، ١١، ١٢)، و «المغني» (١٠/ ١٠٥)، و «فتح الباري» (١٢/ ١٤١، ١٤٢)، و «المبدع» (١٠/ ٩٩)، و «الإنصاف» (١١/ ٣١٢)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>