ويُحمَلُ إطلاقُ الحَديثِ في إثباتِ الخِيارِ على هذا؛ لِعِلمِنا بمَعناه ومُرادِه؛ لأنَّه مَعنًى يَتعلَّقُ الخِيارُ بمِثلِه، ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ جعَل له الخِيارَ إذا أتَى السُّوقَ، فيُفهَمُ مِنه أنَّه أشارَ إلى مَعرِفَتِه بالغَبنِ في السُّوقِ، ولَولا ذلك لَكانَ الخِيارُ له مِنْ حينِ البَيعِ.
وشَرطُ ثُبوتِ الخِيارِ بالغَبنِ عندَ الحَنابِلةِ في المَذهبِ أنْ يَكونَ فاحِشًا، يَخرُجُ عن العادةِ، ويَرجِعُ ذلك إلى العُرفِ؛ لأنَّه لَم يَرِدِ الشَّرعُ بتَحديدِه، فرجَع فيه إلى العُرفِ، وقيلَ: يُقدَّرُ الغَبنُ بالثُّلُثِ، وقيلَ: بالرُّبُعِ، وقيلَ: بالسُّدُسِ، وقيلَ: يثبُتُ الخِيارُ بمُجرَّدِ الغَبنِ، وإنْ قَلَّ.
وإنْ كانَ الشِّراءُ بسِعرِ البَلَدِ أو أكثَرَ، أو ابتَدَأ القادِمونَ فالتَمَسوا مِنه الشِّراءَ وهُم عالِمونَ بسِعرِ البَلَدِ، أو غيرُ عالِمِينَ، فالأصَحُّ عندَ الشافِعيَّةِ -وهو قَولُ الحَنابِلةِ-: لا خِيارَ لَهُم؛ لأنَّهم لَم يَلحَقْهم غَبنٌ في بَيعِهم.
وفي وَجْهٍ عندَ الشافِعيَّةِ لَهم الخِيارُ؛ اعتِبارًا بوُجوبِه في ابتِداءِ الحالِ.
وعن الإمامِ أحمدَ رِوايةٌ أنَّ له الخِيارَ مُطلَقًا، وإنْ لَم يُغبَنوا.
هَلْ الخِيارُ يَكونُ على الفَورِ؟
قالَ الشافِعيَّةُ في الأصَحِّ: الخِيارُ يَكونُ على الفَورِ؛ لأنَّه خِيارُ عَيبٍ؛ فمَتَى أمكَنَهمُ الفَسخُ بعدَ قُدومِ البَلَدِ فلَم يَفسَخوا سقَط، وفي مُقابِلِ الأصَحِّ: يَمتَدُّ ثَلاثةَ أيَّامٍ؛ لأنَّه خِيارُ شَرْعٍ.
وقالَ الحَنابِلةُ: إنَّه على التَّراخي (١).
(١) «الحاوي الكبير» (٥/ ٣٤٨، ٣٤٩)، و «المهذب» (١/ ٢٩٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٥، ٧٦)، و «طرح التثريب» (٦/ ٥٩، ٦٠)، و «المغني» (٤/ ١٥٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٩٠، ٩١)، و «المبدع» (٤/ ٧٧)، و «الإنصاف» (٤/ ٣٩٤)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٤٤، ٢٤٥)، و «الروض المربع» (١/ ٥٦٢)، و «نيل الأوطار» (٥/ ٢٦٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute