وذكَرَ أبو اليُسرِ والسَّرخسيُّ مِنْ الحَنفيةِ أنه لا يُباحُ التعزيرُ بالصفعِ وهو الضربُ على القَفا؛ لأنه مِنْ أعلَى ما يكونُ مِنْ الاستِخفافِ، فيُصانُ عنه أهلُ الغَفلةِ (١).
خامِسًا: النَّفيُ:
نَصَّ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ على أنه يَجوزُ التعزيرُ بالنفيِ والإبعادِ -والخُروجِ مِنْ الحارةِ وبَيعِ مِلكِه عليه كأهلِ الفُسوقِ المُضرِّينَ بالجيرانِ كما يقولُ المالِكيةُ- فيمَن تَعدَّتْ ذُنوبُه إلى اجتذابِ غيرِه إليها واستِضرارِه بها؛ لأنه ﷺ نفَى المُخنَّثَ، ونفَى عمرُ ﵁ نصرَ بنَ الحجَّاجِ مِنْ المَدينةِ ومِن وَطنِه إلى البَصرةِ لمَّا سَمعَ تَشبيبَ النساءِ به وتَشبُّهَه بهنَّ، وكانَ أولًا قد أمَرَ بأخذِ شَعرِه ليُزيلَ جَمالَه الذي كانَ يَفتنُ به النِّساءَ، فلمَّا رآهُ بعد ذلكَ مِنْ أحسَنِ الناسِ وَجنتينِ غمَّه ذلك، فنفاهُ إلى البَصرةِ، فهذا لم يَصدرْ منه ذَنبٌ ولا فاحِشةٌ يُعاقَبُ عليها، لكنْ كانَ في النساءِ مَنْ يُفتَنُ به، فأمَرَ بإزالةِ جَمالِه الفاتنِ، فإنَّ انتِقالَه عن وَطنِه ممَّا يُضعِفُ همَّتَه وبدَنَه ويعلمُ أنه مُعاقَبٌ، وهذا مِنْ بابِ التفريقِ بينَ الذينِ يُخافُ عليهم الفاحِشةُ والعِشقُ قبلَ وُقوعِه، وليسَ مِنْ بابِ المُعاقَبةِ، وقد كانَ عُمرُ يَنفي في الخمرِ إلى خيبَرَ زِيادةً في عُقوبةِ شاربِها.