الشَّرطُ الأوَّلُ: تَسليمُ رأسِ المالِ قبلَ التفرُّقِ مِنْ مَجلِسِ العَقدِ تَفرُّقًا يُبطِلُ خيارَ المَجلِسِ؛ فإنْ ناما في مَجلِسِهما أو قاما يَمشيانِ معًا لَم يَبطُلْ.
وهذا مَذهبُ جُمهورِ الفُقهاءِ الحَنفيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ والمالِكيَّةِ في قَولٍ، وهو أنَّه يُشترَطُ ألَّا يَتفَرَّقا إلَّا بعدَ قَبضِ رأسِ المالِ، سَواءٌ كانَ على شَرطٍ بَينَهما، أو على غيرِ شَرطٍ؛ فإنْ حَصَل تَفرُّقٌ قبلَ قَبضِ رأسِ المالِ بَطَل السَّلَمُ بَينَهما؛ لِئلَّا يَصيرَ بَيعَ دَينٍ بدَينٍ، ولقَولِه ﷺ: «فلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ»، والإسلافُ هو التَّقديمُ، فاقتَضى التَّعجيلَ، ولأنَّه إنَّما سُمِّيَ سَلَمًا لِما فيه مِنْ تَسليمِ رأسِ المالِ؛ فإذا تأخَّرَ لَم يَكُنْ سَلَمًا، فلم يَصحَّ؛ لأنَّ السَّلَمَ مُشتَقٌّ مِنْ إسلامِ المالِ، أي: تَعجيلِه، وأسماءُ العُقودِ المُشتَقَّةُ مِنَ المَعاني لا بُدَّ مِنْ تَحقُّقِ تلك المَعاني فيها؛ فلو تَفرَّقا مِنْ غيرِ قَبضٍ لَم يَصحَّ؛ لأنَّه مِنْ بَيعِ الدَّينِ بالدَّينِ، وقد نَهى الشارِعُ عنه، كما تَقدَّم.
ولأنَّ السَّلَمَ أخْذُ عاجِلٍ بآجِلٍ؛ يُشترَطُ كَونُ أحَدِ البَدلَيْنِ فيه مُعجَّلًا، كما يُشترَطُ أنْ يَكونَ الآخَرُ مُؤجَّلًا؛ لِيَتوفَّرَ على هذا العَقدِ مُقتَضاه، والتَّعجيلُ إنما يَحصُل بالقَبضِ في المَجلِسِ، فكان يَنبَغي أنْ يُشترَطَ اقتِرانُ القَبضِ بالعَقدِ؛ فإنَّه أتَمُّ ما يَكونُ مِنَ التَّعجيلِ، ولكنَّ الشَّرعَ جَعَل ساعاتِ المَجلِسِ كحالةِ العَقدِ؛ تَيسيرًا، كما في عَقدِ الصَّرفِ.
ولِأنَّ جَوازَ عَقدِ السَّلَمِ لِحاجةِ المُسلَمِ إليه، وإنما تَتوافَرُ له حاجَتُه إذا وَصَل رأسُ المالِ إليه، فيُشترَطُ وُصولُه إلى يَدِه مَقرونًا بالعَقدِ، ثم حالةُ المَجلِسِ جُعِلتْ كحالةِ العَقدِ؛ فلهذا يَفسُدُ بتَركِ قَبضِ رأسِ المالِ في المَجلِسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute