والمَكانسِ ليُكنَسَ بها، والمَساحي ليُنقَلَ بها التُّرابُ، وفي ظُلَّةٍ تَمنَعُ إفسادَ خَشبِ البابِ بمَطرٍ ونَحوِه إنْ لم يَضُرَّ بالمارَّةِ، وفي أُجرةِ قَيِّمٍ لا مُؤذِّنٍ وإمامٍ وحُصرٍ ودُهنٍ؛ لأنَّ القَيِّمَ يَحفظُ العِمارةَ، بخِلافِ الباقي.
فإنْ كانَ الوَقفُ لمَصالحِ المَسجدِ صُرِفَ مِنْ رَيعِه لمن ذُكِرَ، لا في التَّزويقِ والنَّقشِ، بل لو وُقِفَ عليها لم يَصِحَّ، ولا يُصرَفُ لحَشيشِ السَّقفِ ما عُيِّنَ لحَشيشِ الحُصُرِ، ولا عَكسُه (١).
تَقديمُ العِمارةِ على غَيرِها مِنْ المَصاريفِ والعِمارة المَعنويةِ:
نَصَّ جُمهورُ الفُقَهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ على أنَّ عِمارةَ الوَقفِ تُقدَّمُ على جَميعِ المَصاريفِ الأُخرى، سَواءٌ شرَطَ الواقفُ ذلكَ أو لم يَشترطْ.
قالَ الحَنفيةُ: يُبدأُ مِنْ غَلَّةِ الوَقفِ بعِمارتِه، بأنْ يُصرَفَ إلى المَوقوفِ عليه حتى يَبقَى على ما كانَ عليه دونَ الزِّيادةِ إنْ لم يُشترَطْ ذلكَ.
فإنِ انتَهَتْ عِمارتُه وفضَلَ مِنْ الغَلَّةِ شيءٌ، يُبدأُ بما هو أقرَبُ للعِمارةِ وأعَمُّ للمَصلحةِ، وهو عِمارتُه المَعنويةُ التي هي قِيامُ شَعائِرِه، كالإمامِ للمَسجدِ والمُدرِّسِ للمَدرَسةِ يُصرَفُ إليهم إلى قَدرِ كِفايتِهم، لا بقَدرِ استِحقاقِهم المَشروطِ لهم، ثُمَّ السِّراجُ والبِساطُ كذلكَ إلى آخِرِ المَصالِحِ -
(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٤٨٠)، و «أسنى المطالب» (٢/ ٤٧٦)، و «حواشي الشرواني على تحفة المحتاج» (٧/ ٥٣٥).