للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: وإنْ قالَ: مَنْ رَدَّ عَبدي مِنْ بَلَدِ كذا فله دِينارٌ، فرَدَّه إنسانٌ مِنْ نِصفِ طَريقِ ذلك البَلَدِ، استَحقَّ نِصفَ الجُعْلِ؛ لأنَّه عمِل نِصفَ العَملِ، وكَذلك لو قالَ: مَنْ رَدَّ عَبدَيَّ فله دِينارٌ، فرَدَّ أحَدَهُما فله نِصفُ الدِّينارِ؛ لأنَّه رَدَّ نِصفَ العَبدَيْنِ، وإنْ رَدَّ العَبدَ مِنْ غيرِ البَلَدِ المُسمَّى فلا شَيءَ له؛ لأنَّه لَم يَجعَلْ في رَدِّه مِنه شَيئًا، فأشبَهَ ما لو جعَل في رَدِّ أحَدِ عَبدَيْه شَيئًا، فرَدَّ الآخَرَ، ولو قالَ: مَنْ رَدَّ عَبدِي فله دِينارٌ، فرَدَّه إنسانٌ إلى نِصفِ الطَّريقِ، فهرَب مِنه، لَم يَستحقَّ شَيئًا؛ لأنَّه شرَط الجُعْلَ برَدِّه، ولَم يَرُدَّه، وكَذلك لو ماتَ، كما لو استأجَرَ خَيَّاطًا لِخياطةِ ثَوبٍ فخاطَه ولَم يُسلِّمْه حتى تَلِفَ، لَم يَستحقَّ أُجرةً.

قالَ ابنُ قُدامةَ : فإنْ قيلَ: فإنْ كانَ الجاعِلُ قالَ: مَنْ وجَد لُقَطَتِي فله دِينارٌ، فقَد وُجِدَ الوِجدانُ، قُلْنا: قَرينةُ الحالِ تَدُلُّ على اشتِراطِ الرَّدِّ، والمَقصودُ هو الرَّدُّ، لا الوِجدانُ المُجَرَّدُ، وإنَّما اكتَفَى بذِكرِ الوِجدانِ؛ لأنَّه سَبَبُ الرَّدِّ، فصارَ كَأنَّه قالَ: مَنْ وجَد لُقَطَتِي فرَدَّها عَلَيَّ … (١).

المَسألةُ الخامِسةَ عَشْرةَ: حُكمُ جُعلِ الفُضوليِّ:

لا يُشترَطُ عندَ فُقهاءِ المَذاهبِ الشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ -وَهو أيضًا مُقتَضَى مَذهبِ المالِكيَّةِ وغيرِهم- أنْ يَكونَ المُلتزِمُ لِلجُعلِ مَنْ يَقَعُ العَملُ في مِلْكِه، فلَو قالَ غيرُ المالِكِ: مَنْ رَدَّ عَبدَ فُلانٍ أو ضالَّةَ فُلانٍ فله كذا، استَحقَّه الرَّادُّ على القائِلِ؛ لأنَّه التَزَمَ العِوَضَ، ولا شَيءَ على رَبِّها؛ لأنَّه لَم يَلتزِمْه.


(١) «المغني» (٦/ ٢٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>