للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: يَنعقِدُ الإِيصاءُ بقَولِ المُوصي: «فوَّضتُ إليك كذا، أو وَصَّيت إليك بكذا، أو وَصَّيت إلى زَيدٍ بكذا، أو أنت وَصيٌّ، أو هو -أي: زَيدٌ- وَصيٌّ في كذا، أو جعَلتُه -أي: زَيدًا- وَصيًّا، أو جعَلتُك وَصيِّي على كذا»، إلا أنَّه يُشتَرطُ ذِكرُ نَوعِ التَّصرفِ، فلا تَصحُّ الوَصيةُ إلا في تَصرفٍ مَعلومٍ -ليَعلمَ الوَصيُّ ما وَصَّى به إليه ليَحفظَه ويَتصرَّفَ فيه- يَملِكُ المُوصي فِعلَه؛ لأنَّه أَصيلٌ، والوَصيُّ فَرعُه، ولا يمَلِكُ الفَرعُ ما لا يَملكُه الأَصلُ كقَضاءِ الدَّينِ وتَفريقِ الوَصيةِ والنَّظرِ في أمرٍ غيرِ مُكلَّفٍ ورَدِّ الوَدائعِ إلى أهلِها واستِردادِها ممَّن هي عندَه، ورَدِّ غَصبٍ وإِمامٍ بخِلافِه وحَدِّ قَذفٍ؛ لأنَّ الوَصيَّ يَتصرَّفُ بالإِذنِ فلم يَجُزْ إلا في مَعلومٍ يَملكُه المُوصي كالوَكالةِ، فلا يَصحُّ الإِطلاقُ عندَهم، فلا بُدَّ من ذِكرِ مَحلِّ الإِيصاءِ وبَيانِه (١).

ثانيًا: القَبولُ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الإِيصاءَ لا يَصحُّ إلا بقَبولٍ من المُوصَى إليه؛ لأنَّه وَصيةٌ فلا تَتمُّ إلا بالقَبولِ كالوَصيةِ له، ولأنَّها عَقدُ تَصرفٍ كالوَكالةِ.

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفوا هل يَصحُّ القَبولُ في حَياةِ المُوصي أو لا بُدَّ من أنْ يَكونَ بعدَ مَوتِه؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في مُقابلِ الأصَحِّ والحَنابِلةُ إلى أنَّه يَصحُّ القَبولُ من الوَصيِّ في حَياةِ المُوصي وبعدَ مَوتِه؛ لأنَّه


(١) «كشاف القناع» (٤/ ٤٧٩)، و «الإنصاف» (٧/ ٢٠٤)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>