للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه بنِيةِ النَّفلِ كالصَّلاةِ، بخِلافِ الصَّومِ؛ لأنَّ وقتَ أداءِ الصَّومِ لا يَتسعُ لِأداءِ النَّفلِ، وهذا لأنَّ الحَجَّ عِبادةٌ مَعلومةٌ بالأفعالِ، لا بالوقتِ؛ فكان الوقتُ ظَرفًا له لا مِعيارًا، وفي مِثلِه لا يَتميَّزُ الفَرضُ من النَّفلِ إلا بالتَّعيينِ.

وذهَب الشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ من حجَّ بنِيةِ النَّفلِ وعليه حَجةُ الفَرضِ أو نَذرٌ أنَّه يَقعُ عن الفَرضِ أو النَّذرِ؛ لأنَّ نِيةَ النَّفلِ لَغوٌ؛ لأنَّه عِبارةٌ عن الزِّيادةِ ولا يُتصَورُ ذلك قبلَ الأصلِ، وإذا لغَت نِيةُ النَّفلِ يَبقَى مُطلَقُ نِيةِ الحَجِّ، وبمُطلَقِ النِّيةِ يَتأدَّى الفَرضُ.

يَدلُّ عليه أنَّ نِيةَ النَّفلِ نَوعُ سَفهٍ قبلَ أداءِ حَجةِ الإسلامِ، والسَّفيهُ مُستحِقٌّ الحَجرَ، فجُعِلت نِيةُ النَّفلِ لَغوًا تَحقيقًا لمَعنى الحَجرِ، فيَبقَى مُطلَقُ النِّيةِ، ويَجوزُ أنْ تَتأدَّى حَجةُ الإسلامِ بغيرِ نِيةٍ، كما في المُغمَى عليه إذا أحرَم عنه أصحابُه، فبنِيةِ النَّفلِ أوْلى (١).

د- عَدمُ النِّيةِ عن الغيرِ: وهذا مَحلُّ اتِّفاقٍ إذا كان المُحرِمُ بالحَجِّ حجَّ عن نَفسِه قبلَ ذلك، فإنْ نَوى عن غيرِه وقَع عن غيرِه اتِّفاقًا.

أمَّا إذا لَم يَكنْ حجَّ عن نَفسِه حَجةَ الإسلامِ ونَوى عن غيرِه فقد اختلَف الفُقهاءُ فيه، هل يَقعُ عن نَفسِه أو عن غيرِه؟

فذهَب الحَنفيةُ والمالِكيةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَقعُ عن غيرِه مع


(١) «المبسوط» للسرخسي (٤/ ١٥١، ١٥٢)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٠٧)، و «أصول البزدوي» (١/ ٣٥١)، و «أصول السرخسي» (٢/ ٢٧٧)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٢٢٣)، و «كشف الأسرار» (٤/ ١٣٢)، و «الفروع» (٣/ ٢٦٩)، و «الإنصاف» (١/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>