للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أيَّها الناسُ استَحيُوا مِنْ اللهِ، فإني لَأدخُلُ الخَلاءَ فأَحنِي ظَهرِي حَياءً مِنْ رَبِّي»، وكذلكَ قالَ أبو مُوسَى في الاغتِسالِ (١).

الخَلوةُ بالأجنَبيةِ:

أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنه لا يَجوزُ الخَلوةُ بالمرأةِ الأجنَبيةِ؛ لِما رواهُ ابنُ عبَّاسٍ عن النبيِّ قالَ: «لا يَخلُوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا مع ذي مَحرَمٍ، فقامَ رَجلٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ امرأتِي خرَجَتْ حاجَّةً واكتُتبْتُ في غَزوةِ كذا وكذا، قالَ: ارجِعْ فحُجَّ مع امرأتِكَ» (٢).

وقَول النبيِّ : «مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يَخلُوَنَّ بامرَأةٍ ليسَ مَعها ذُو مَحرَمٍ منها، فإنَّ ثالثَهُما الشَّيطانُ» (٣).

وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: «إيَّاكم والدُّخولَ على النِّساءِ، فقالَ رَجلٌ مِنْ الأنصارِ: يا رسولَ اللهِ أفَرَأيتَ الحَمْوَ؟ قالَ: الحَموُ المَوتُ» (٤).


(١) «شرح العمدة» (٤/ ٢٥٦، ٢٥٨).
(٢) رواه البخاري (٤٩٣٥)، ومسلم (١٣١٤).
(٣) رواه أحمد (١٤٦٩٢).
(٤) رواه البخاري (٤٩٣٤)، ومسلم (٢١٧٢) قالَ ابنُ بطَّالٍ : قالَ الطَّبريٌّ : الحَموُ عندَ العَربِ: كلُّ مَنْ كانَ مِنْ قِبلِ الزوجِ، أخًا كانَ أو أبًا أو عَمًّا، فهُم الأحْمَاءُ، فأمَّا أمُّ الزوجِ فكانَ الأصمَعيُّ يقولُ: «هي حَماةُ الرَّجلِ، لا يَجوزُ غيرُ ذلكَ، ولا لُغةَ فيها غَيرُها»، وإنَّما عَنَى بقولِه: «الحَمْوُ الموتُ» أنَّ خَلوةَ الحموِ بامرأةِ أخيه أو امرأةِ ابنِ أخيه بمنزلةِ الموتِ في مَكروهِ خَلوتِه بها، وكذلكَ تقولُ العربُ إذا وصَفُوا الشيءَ يَكرهونَه إلى الموصوفِ له قالوا: ما هو إلَّا الموتُ، كقولِ الفَرزدَقِ لجريرٍ:
فإني أنا الموتُ الذي هو واقِعٌ بنَفسِكَ فانظرْ كيفَ أنتَ مُزاوِلُه
وقالَ ثَعلبُ: سألتُ ابنَ الأعرابيِّ عن قولِه: «الحَمْوُ الموتُ» فقالَ: هذهِ كَلمةٌ تقولُها العربُ مثَلًا كما تقولُ: الأسدُ الموتُ، أي لِقاؤُه الموتُ، وكما تقولُ: السُّلطانُ نارٌ، أي مِثلَ النَّارِ، فالمعنَى: احذَرُوه كما تَحذرُونَ الموتَ، وقالَ أبو عُبيدٍ: معناهُ: «فلْيَمُتْ ولا يَفعلْ ذلكَ»، وهو بَعيدٌ، وإنَّما الوجهُ ما قالَه ابنُ الأعرابيِّ، ومِن هذا البابِ قولُه تعالَى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧]، أي: مثلَ الموتِ في الشِّدةِ والكَراهيَةِ، ولو أرادَ نفْسَ الموتِ لَكانَ قد ماتَ. «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>