اختلَف الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ اشتَرَى شَيئًا ولَم يَرَه، هل يثبُتُ له الخيارُ إذا رَآه، وإنْ كانَ على الصِّفةِ التي اشتَرطَها، أو لا؟ وهذا الخِلافُ مَبنيٌّ على حُكمِ البَيعِ والشِّراءِ بالصِّفةِ والرُّؤيةِ المُتقدِّمةِ، وبَيعِ الأعيانِ الغائِبةِ هل يَجوزُ أو لا؟ وقد سبَق الكَلامُ على هذا، وأنا أذكُرُها هُنا إنْ شاءَ اللَّهُ مَرَّةً أُخرى لِمُناسَبةِ مَكانِها هُنا.
فقالَ الحَنفيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ: مَنْ اشتَرَى ما لَم يَرَه صَحَّ، سَواءٌ ذُكِرَ وَصفُه أو لَم يُذكَرْ، فيَصحُّ البَيعُ، وله الخيارُ إذا رَآه إنْ شاءَ أخَذه وإنْ شاءَ رَدَّه، وإنْ كانَ على الصِّفةِ التي ذُكِرتْ، حتى لو قالَ المُشتَري قبلَ الرُّؤيةِ: رَضيتُ، ثم رَآهُ، فله أنْ يَرُدَّه؛ لأنَّ الخيارَ مُعلَّقٌ بالرُّؤيةِ، فلا يثبُتُ قبلَه.
وقالَ المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ والشافِعيُّ في أحَدِ قَولَيْه على تَفصيلٍ سَيَأتي: يَجوزُ بَيعُ السِّلَعِ وإنْ لَم يَرَها المُشتَري إذا وصَفها له ولَم يَشترِطِ النَّقدَ؛ فإنْ لَم يَصِفْها لَم يَجُزْ، ولا يَجوزُ بَيعُ الغائِبِ ألبَتَّةَ إلَّا بالصِّفةِ أو على رُؤيةٍ تَقدَّمتْ.
ولا بَأْسَ ببَيعِ الأعيانِ الغائِبةِ على الصِّفةِ، وإنْ لَم يَرَها البائِعُ ولا المُشتَري إذا وَصَفوها؛ فإذا جاءَتْ على الصِّفةِ لزِمهما البَيعُ، ولا يَكونُ لِواحِدٍ منهما خيارُ الرُّؤيةِ إلَّا أنْ يَشترِطَهُ؛ فإنِ اشتَرطَه كانَ ذلك له؛ فإنْ لَم تُوصَفِ السِّلعةُ فلا يَصحُّ البَيعُ.