نَصَّ الفُقهاءُ على أنه يُشترطُ في الحاضِنِ عدَّةُ شُروطٍ:
الشَّرطُ الأولُ: البُلوغُ والعَقلُ:
فلا تَثبتُ الحَضانةُ لطِفلٍ ولا مَعتوهٍ؛ لأنه لا يَقدرُ عليها، وهو مُحتاجٌ إلى مَنْ يَكفلُه، فكَيفَ يَكفلُ غيرَه؟! وهذا مَحلُّ اتِّفاقٍ بينَ الفُقهاءِ.
والعَقلُ الذي تَصحُّ به الوِلايةُ وتَقومُ معَه بالكَفالةُ، فإنْ كانَ أحَدُهما مَجنونًا أو مَعتوهًا أو مَخبولًا فلا كَفالةَ له؛ لأنه قد صارَ مَكفولًا، فلَم يَجُزْ أنْ يكونَ كافلًا، فلَو طرَأَ عليهِ بعدَ استِحقاقِ الكَفالةِ خرَجَ منها، فأما الذي يُجَنُّ زَمانًا ويَفيقُ زَمانًا فلا كَفالةَ له؛ لأنه في زَمانِ الجُنونِ زائِلُ الولايةِ، وفي زَمانِ الإفاقةِ مُختَلُّ التدبيرِ، وربَّما طرَأَ جُنونُه على عَقلِه، فلا يُؤمَنُ معه على الوَلدِ، إلا أنْ يَقلَّ جُنونُه في الأحيانِ النادِرةِ ولا يُؤثِّرَ في التَّمييزِ بعدَ زَوالِه، فلا يَمنعُ مِنْ الكَفالةِ.
وأمَّا المَرضُ فإنْ كانَ طارِئًا يُرجَى زَوالُه لم يَمنعْ مِنْ استِحقاقِ الكَفالةِ، وإنْ كانَ مُلازِمًا كالفالجِ والسلِّ المُتطاوِلِ نُظرَ فيهِ، فإنْ أثَّرَ في عَقلِه أو تَشاغلَ بشِدَّةِ ألمِه فلا كَفالةَ له؛ لقُصورِه عن مُراعاةِ الوَلدِ وتَربيَتِه، وإنْ أثَّرَ في قُصورِ حَركتِه مع صِحةِ عَقلِه وقلَّةِ ألَمِه رُوعيَتْ حالُه، فإنْ كانَ ممَّن يُباشِرُ كَفالتَه بنَفسِه سقَطَ حقُّه منها؛ لِما يَدخلُ على الوَلدِ مِنْ التَّقصيرِ فيها، وإنْ كانَ ممَّن يُراعِي بنَفسِه التَّدبيرَ ويَستنيبُ فيما تَقتضيهِ المُباشَرةُ كانَ على حقِّه مِنْ الكَفالةِ، وسَواءٌ كانَ أبًا أو أمًّا، فلو أفاقَ المَجنونُ وبَرأَ المَريضُ عادَا إلى حَقِّهما مِنْ الكَفالةِ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ٥٠٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٥١١)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٤٤٢)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٠٠)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٩٧)، و «الديباج» (٣/ ٦٥٤)، و «المغني» (٨/ ١٩٠)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٨٣)، و «منار السبيل» (٣/ ٢١٠).