للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: الصوابُ التَّركُ، وأنَّ ذلكَ يَنبني على ما إذا تَعارضَ الأصلُ والظاهِرُ، وله نِظائرُ كَثيرةٌ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وإذا اشتَرَى ممَّن في مالِه حَرامٌ وحَلالٌ كالسُّلطانِ الظالمِ والمُرابِي فإنْ عَلِمَ أنَّ المَبيعَ مِنْ حَلالِ مالِه فهو حَلالٌ، وإنْ عَلِمَ أنه حرامٌ فهو حَرامٌ، ولا يُقبَلُ قولُ المُشتِري عليهِ في الحُكمِ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّ ما في يَدِ الإنسانِ مِلكُه، فإنْ لم يَعلمْ مِنْ أيِّهما هوَ كَرهْناهُ؛ لاحتِمالِ التحريمِ فيهِ، ولم يَبطلِ البيعُ؛ لإمكانِ الحَلالِ، قَلَّ الحَرامُ أو كَثُرَ، وهذا هو الشُّبهةُ، وبَقدرِ قلَّةِ الحَرامِ وكَثرتِه تكونُ كَثرةُ الشبهةِ وقلَّتُها.

قالَ أحمَدُ: لا يُعجِبُني أنْ يأكلَ منهُ؛ لِمَا روَى النُّعمانُ بنُ بشيرٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «الحَلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ، وبينَهُما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يَعلمُها كَثيرٌ مِنْ الناسِ، فمَن اتَّقَى الشُّبهاتِ استَبرأَ لدِينِه وعِرضِه، ومَن وقَعَ في الشُّبهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعي حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرتعَ فيهِ، ألَا وإنْ لكُلِّ مَلكٍ حمًى، وحمَى اللهِ مَحارمُه» مُتفَقٌ عليه، وهذا لفظُ رِوايةِ مُسلمٍ، وفي لَفظِ روايةِ البُخاريِّ: «فمَن ترَكَ ما اشتبهَ عليهِ كانَ لِمَا استَبانَ أترَكُ، ومَن اجتَرأَ على ما يَشكُّ فيه مِنْ المَآثمِ أوشَكَ أنْ يُواقِعَ ما استَبانَ»، ورَوى الحسَنُ بنُ عليٍّ عن النبيِّ أنه قالَ: «دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ»، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ (٢).


(١) «الإنصاف» (٨/ ٣٢٢، ٣٢٣).
(٢) «المغني» (٤/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>