لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ في أنهُ لا يَجوزُ للمرأةِ أنْ تَنظرَ إلى الرَّجلِ الأجنَبيِّ بشَهوةٍ إنْ عَلِمَتْ أو غلَبَ على ظَنِّها وُقوعُ الشَّهوةِ أو شكَّتْ في ذلكَ -بأنْ كانَ احتِمالُ حُدوثِ الشَّهوةِ وعَدمِ حُدوثِها مُتساويَينِ-؛ لأنَّ النَّظرَ بشَهوةٍ إلى مَنْ لا يَحلُّ بزَوجيَّةٍ أو مِلكِ يَمينٍ نوعُ زِنًا، وهو حَرامٌ عندَ جَميعِ الفُقهاءِ.
ثمَّ اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ جَوازِ نظَرِ المرأةِ إلى الرَّجلِ الأجنَبيِّ بدُونِ شُهوةٍ، هل يَجوزُ لها أنْ تَنظرَ إلى الرَّجلِ الأجنَبيِّ إلى ما ليسَ بعَورةٍ منه -أي فيما عدَا السُّرةِ والرُّكبةِ-؟ أم لا يَجوزُ لها أنْ تَنظرَ إلى الرَّجلِ إلَّا إلى ما يَجوزُ له أنْ يَنظرَ مِنها -وهو الوَجهُ والكفَّانِ-؟
فذهَبَ الحَنفيةُ في المَذهبِ والشَّافعيةُ في الأصَحِّ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يَجوزُ لها أنْ تَنظرَ مِنْ الرَّجلِ إلى ما يَجوزُ أنْ يَنظرَ الرَّجلُ إليه مِنْ الرَّجلِ إذا أَمِنَتِ الشَّهوةَ؛ لأنَّ السُّرةَ وما فوقَها وما تحتَ الرُّكبةِ ليسَ بعَورةٍ مِنْ الرَّجلِ، وما لا يكونُ عَورةً فالنَّظرُ إليه مُباحٌ للرِّجالِ والنِّساءِ كالثِّيابِ، ولقَولِه ﷺ لفاطِمةَ بنتِ قَيسٍ:«اعتَدِّي في بيتِ ابنِ أمِّ مَكتومٍ، فإنَّه رَجلٌ أعمَى، تَضعينَ ثِيابَكِ فلا يَراكِ»(١).