بَيانُ مُخالَفةِ الوَكيلِ لِقُيودِ المُوكِّلِ في البَيعِ:
ذكَرتُ فيما سبَق أقوالَ الفُقهاءِ مُجمَلةً في الوَكيلِ في البَيعِ المُقيَّدِ أنَّه لا يَجوزُ له أنْ يُخالِفَ المُوكِّلَ فيما وكَّله فيه إلَّا لِلأحسَنِ، وقَد ذكَر الفُقهاءُ أنَّ الوَكيلَ في البَيعِ قَدْ يُخالِفُ في أُمورٍ، مِنها ما يَلي:
١ - المُخالَفةُ في الثَّمنِ:
إذا حَدَّدَ المُوكِّلُ لِلوَكيلِ الثَّمنَ، فخالَفَ الوَكيلُ، فلا يَخلو إمَّا أنْ يُخالِفَ فيَبيعَ بأقَلَّ ممَّا حَدَّدَ له، وإمَّا أنْ يُخالِفَ لِلأحسَنِ، فيَبيعَ بأزيَدَ ممَّا حَدَّدَه له.
الحالةُ الأُولَى: أنْ يُخالِفَ فيَبيعَ بأقَلَّ ممَّا حَدَّدَ له المُوكِّلُ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَكيلِ إذا باعَ بأقَلَّ ممَّا حَدَّدَ له المُوكِّلُ، هَلْ يَصحُّ البَيعُ ويَضمَنُ الزِّيادةَ، أو يَتوقَّفُ على إجازةِ المُوكِّلِ، أو يَبطُلُ البَيعُ؟
فَذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ البَيعَ صَحيحٌ، ويَضمَنُ الوَكيلُ لِلمُوكِّلِ النَّقصَ؛ لأنَّ فيه جَمعًا بينَ حَظِّ المُشتَرِي بعَدمِ الفَسخِ، وحَظِّ البائِعِ، فوجَب التَّضمينُ، وأمَّا الوَكيلُ فلا يُعتبَرُ حَظُّهُ؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ، وفي قَدْرِ النَّقصِ وَجْهانِ:
أحَدُهما: هو بينَ ما باعَ به وثَمَنِ المِثلِ.
والوَجهُ الثَّاني: هو بينَ ما يَتغابَنُ به النَّاسُ وما لا يَتغابَنونَ بهِ؛ لأنَّ ما يَتغابَنُ النَّاسُ به يَصحُّ بَيعُه به، ولا ضَمانَ عليه (١).
(١) «المغني» (٥/ ٧٨)، و «الفروع» (٤/ ٨٣)، و «الإنصاف» (٥/ ٣٨١)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٥٤).