الوَقفُ على جِهةِ مَعصيةٍ كالكَنائِسِ والمَعابِدِ:
لا خِلافَ بينَ فُقَهاءِ المَذاهبِ أنه لا يَصحُّ الوَقفُ على البِيَعِ والكَنائِسِ، سَواءٌ كانَ الواقفُ مُسلِمًا أو ذِميًّا؛ لأنَّ ذلكَ مَعصيةٌ؛ فإنَّ هذه المَواضِعَ بُنِيتْ للكُفرِ، ولأنَّ ذلكَ مِنْ أعظَمِ الإعانةِ لهم على كُفرِهم.
قالَ ابنُ القَيِّمِ ﵀: وأمَّا الوَقفُ على كَنائِسِهم وبِيَعِهم ومَواضعِ كُفرِهم التي يُقيمونَ فيها شِعارَ الكُفرِ فلا يَصحُّ مِنْ كافرٍ ولا مُسلمٍ؛ فإنَّ في ذلكَ أعظَمَ الإعانةِ لهم على الكُفرِ والمُساعَدةِ والتَّقويةِ عليه، وذلكَ مُنافٍ لدِينِ اللهِ.
وللإمامِ أنْ يَستوليَ على كُلِّ وَقفٍ وُقِفَ على كَنيسةٍ أو بَيتِ نارٍ أو بيعَةٍ، كما له أنْ يَستوليَ على ما وُقِفَ على الحاناتِ والخَمَّاراتِ وبُيوتِ الفِسقِ بل أَولى؛ فإنَّ بُيوتَ الكُفرِ أبغَضُ إلى اللهِ ورَسولِه مِنْ بُيوتِ الفِسقِ، وشِعارُ الكُفرِ أعظَمُ مِنْ شعائِرِ الفِسقِ وأضَرُّ على الدِّينِ.
وإنْ كُنَّا نُقِرُّ بُيوتَ الكُفرِ الجائزِ إقرارُها ولا نُقِرُّ بُيوتَ الفِسقِ فما ذاكَ لأنها أسهَلُ منها وأهوَنُ، بل لأنَّ عَقْدَ الذِّمةِ اقتَضى إقرارَهُم عليها كما نُقِرُّ الكافرَ على كُفرِه ولا نُقِرُّ الفاسِقَ على فِسقِه، فللإمامِ أنْ يَنتزعَ تلكَ الأوقافَ ويَجعلَها على القُرباتِ، ونحنُ لم نُقِرَّ أهلَ الذِّمةِ في بِلادِ الإسلامِ على أنْ يَتملَّكوا أرضَ المُسلمينَ ودُورَهم ويَستعينُوا بها على شِعارِ الكُفرِ.
وقد بَيَّنَّا أنهم في دارِ الإسلامِ تَبَعٌ، ولهذا قالَ الشافِعيُّ ومَن وافَقَه: إنَّ الجِزيةَ تُؤخذُ مِنهم عِوضَ سُكناهُم بينَ أظهُرِ المُسلمينَ وانتِفاعِهم