للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاشتِراطُ في الاعتِكافِ:

ذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى جَوازِ الشَّرطِ وصِحَّتِه في الاعتِكافِ الواجِبِ، قياسًا على ما رَوَتْه عائِشةُ قالت: «دخَل رَسولُ اللَّهِ على ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فقال لها: لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قالت: واللهِ لَا أَجِدُنِي إلا وَجِعَةً، فقال لها: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولي: «اللَّهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» (١).

قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : فإذا كان الإحرامُ الذي هو ألزَمُ العِباداتِ بالشُّروعِ يَجوزُ مُخالَفةُ مُوجِبِه بالشَّرطِ، فالاعتِكافُ أوْلَى (٢).

وقال الإمامُ الشافِعيُّ : ولا بأسَ بالاشتِراطِ في الاعتِكافِ الواجِبِ وذلك أنْ يَقولَ: «إنْ عَرَضَ لي عَارِضٌ كان لي الْخُرُوجُ» (٣).

وقال الأثرَمُ: سَمِعتُ أبا عَبدِ اللهِ -يَعني أحمدَ بنَ حَنبَلٍ- يَسألُ عن المُعتكِفِ يَشترِطُ أنْ يأكُلَ في أهلِه؟ فقال: إذا اشترَط فنَعَمْ، قيلَ له: وتُجيزُ الشَّرطَ في الاعتِكافِ؟ قال: نَعَمْ، قُلتُ له: فيَبيتُ في أهلِه؟ قال: إذا كان تَطوُّعًا جازَ (٤).


(١) رواه البخاري (٥٠٨٩)، ومسلم (١٢٠٧).
(٢) «شرح العمدة» (٢/ ٨٠٩).
(٣) «الأم» (٢/ ١٥٧).
(٤) «المغني» (٤/ ٢٧٤)، وقال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في «شَرحِ العُمدةِ» (٢/ ٨١١) بعدَ ذِكرِ رِوايةِ الأثرَمِ هذه: فأخذَ بَعضُ أصحابِنا من هذا جَوازَ شَرطِ المَبيتِ لِجَوازِ شَرطِ الأكلِ، ليس بجَيِّدٍ، فإنَّ أحمدَ أجازَ الأكلَ بالشَّرطِ مُطلَقًا، وأجازَ المَبيتَ في الأهلِ إذا كان تَطوُّعًا، ولم يُعلِّقْه بشَرطٍ، فعُلِم أنَّه لا يَجوزُ في النَّذرِ، وليس هذا لِأجلِ الشَّرطِ، بل لأنَّ التَّطوُّعً له تَركُه متى شاءَ، فإذا بات في أهلِه فكأنَّه يَعتكِفُ النَّهارَ دونَ اللَّيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>