فصلٌ في: «نُقصَان حُرَّيةِ التصرُّفِ».
وأما نَقصُ التَّصرفِ فضَربانِ: حَجرٌ وقَهرٌ.
فأما الحَجرُ: فهو أنْ يَستوليَ عليهِ مِنْ أعوانِه مَنْ يَستبدُّ بتَنفيذِ الأمورِ مِنْ غيرِ تظاهُرٍ بمَعصيةٍ ولا مُجاهَرةٍ بمُشاقَّةٍ، فلا يَمنعُ ذلكَ مِنْ إمامتِه ولا يَقدحُ في صحَّةِ وِلايتِه، ولكنْ يُنظَرُ في أفعالِ مِنْ استَولى على أمورِه، فإنْ كانَت جاريةً على أحكامِ الدِّينِ ومُقتضَى العدلِ جازَ إقرارُه عليها تنفيذًا لها وإمضاءً لأحكامِها؛ لئلَّا يَقفَ مِنْ الأمورِ الدِّينيةِ ما يَعودُ بفَسادٍ على الأُمةِ.
وإنْ كانَت أفعالُه خارِجةً عن حُكمِ الدِّينِ ومُقتضَى العَدلِ لم يَجُزْ إقرارُه عليها، ولَزمَه أنْ يَستنصرَ مَنْ يَقبضُ يَدَه ويُزيلُ تغلُّبَه.
وأما القَهرُ: فهو أنْ يَصيرَ مأسورًا في يَدِ عدوٍّ قاهرٍ لا يقدرُ على الخلاصِ منه، فيَمنعُ ذلكَ عن عَقدِ الإمامةِ له؛ لعَجزِه عن النظَرِ في أمورِ المُسلمينَ، وسَواءٌ كانَ العدوُّ مُشركًا أو مُسلمًا باغيًا، وللأمَّةِ اختيارُ مَنْ عَداهُ مِنْ ذوِي القُدرةِ، وإنْ أُسِرَ بعدَ أنْ عُقدتْ له الإمامةُ فعلى كافَّةِ الأمَّةِ استِنقاذُه؛ لِما أوجَبَتْه الإمامةُ مِنْ نُصرتِه، وهو على إمامتِه ما كانَ مَرجوَّ الخَلاصَ مَأمولَ الفِكاكِ، إما بقتالٍ أو فِداءٍ، فإنْ وقَعَ الإياسُ منه لم يَخْلُ حالُ مَنْ أسَرَه مِنْ أنْ يكونُوا مُشركينَ أو بَغاةُ المُسلمينَ، فإنْ كانَ في أسرِ المُشركينَ خرَجَ مِنْ الإمامةِ؛ لليأسِ مِنْ خَلاصِه، واستَأنفَ أهلُ الاختيارِ بَيعةَ غيرِه على الإمامةِ.
فإنْ عَهدَ بالإمامةِ في حالِ أسرِه نُظرَ في عَهدِه؛ فإنْ كانَ بعدَ الإياسِ مِنْ خَلاصِه كانَ عهدُه باطلًا؛ لأنه عَهِدَ بعدَ خُروجِه مِنْ الإمامةِ، فلَم يَصحَّ منه عهدٌ، وإنْ عَهِدَ قبلَ الإياسِ مِنْ خَلاصِه وقتَ هو فيه مَرجوُّ الخَلاصِ صَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute