قال ابنُ قُدامةَ ﵀: ما فَعَلَه المُفلِسُ قبلَ حَجْرِ الحاكِمِ عليه مِنْ بَيعٍ أو هِبةٍ أو إقرارٍ أو قَضاءِ بَعضِ الغُرَماءِ أو غيرِ ذلك فهو جائِزٌ نافِذٌ، وبهذا قال أبو حَنيفةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ، ولا نَعلَمُ أحَدًا خالَفَهم؛ ولأنَّه رَشيدٌ غيرُ مَحجورٍ عليه نَفَذَ تَصرُّفُه كغَيرِه، ولأنَّ سَبَبَ المَنعِ الحَجْرُ لا يَتقدَّمُ سَبَبَه؛ ولأنَّه مِنْ أهلِ التَّصرُّفِ ولَم يُحجَرْ عليه، فأشبَهَ المَليءَ، وإنْ أكرى جَمَلًا بعَينِه أو دارًا لَم تَنفَسِخْ إجارَتُه بالفَلَسِ، وكان المُكتَري أحَقَّ به حتى تَنقَضيَ مُدَّتُه.
ومتى حُجِرَ عليه لَم يَنفُذْ تَصرُّفُه في شَيءٍ مِنْ مالِه، فإنْ تَصرَّفَ ببَيعٍ أو هِبةٍ أو وَقفٍ أو أصدَقَ امرأةً مالًا له أو نحوَ ذلك لَم يَصحَّ، وبهذا قال مالِكٌ والشافِعيُّ في قَولٍ، وقال في آخَرَ: يَقِفُ تَصرُّفُه، فإنْ كان فيما بَقيَ مِنْ مالِه وَفاءُ الغُرَماءِ نَفَذَ وإلا بطَل.
فأمَّا إنْ تَصرَّفَ في ذِمَّتِه فاشتَرى أو اقتَرَضَ أو تَكفَّلَ صَحَّ تَصرُّفُه؛ لأنَّه أهلٌ لِلتَّصرُّفِ، إنَّما وُجِدَ في حَقِّه الحَجْرُ، والحَجْرُ إنَّما يَتعلَّقُ بمالِه لا بذِمَّتِه، ولكنْ أصحابُ هذه الدُّيونِ لا يُشارِكُونَ الغُرَماءَ؛ لأنَّهم رَضُوا بذلك إذا عَلِموا أنَّه مُفلِسٌ وعامَلوه، ومَن لَم يَعلَمْ فقد فَرَّطَ في ذلك، فإنَّ هذا في مَظِنَّةِ الشُّهرةِ ويُتبَعُ بها بعدَ فَكِّ الحَجْرِ عنه، وإنْ أقَرَّ بدَينٍ لَزِمَه بعدَ فَكِّ