للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وقد فصَّلَ بعضُ الحَنفيةِ بينَ أمصارِ المُسلِمينَ وبينَ القُرى، فقالُوا: لا يَمنَعونَ من إِظهارِ شَيءٍ من بَيعِ الخَمرِ والخِنزيرِ والصَّليبِ وضَربِ الناقوسِ في قَريةٍ، أو مَوضعٍ ليسَ من أَمصارِ المُسلِمينَ، ولو كانَ فيه عَددٌ كَثيرٌ من أهلِ الإسلامِ، وإنَّما يُكرَهُ ذلك في أَمصارِ المُسلِمينَ، وهي التي تُقامُ فيها الجُمعُ والأَعيادُ والحُدودُ؛ لأنَّ المَنعَ من إِظهارِ هذه الأشياءِ لكَونِه إِظهارَ شَعائرِ الكُفرِ في مَكانِ إِظهارِ شَعائرِ الإسلامِ، فيَختصُّ المَنعُ بالمَكانِ المُعدِّ لإِظهارِ الشَّعائرِ، وهو المِصرُ الجامِعُ (١).

وفصَّلَ الشافِعيةُ بينَ القُرى العامةِ والقُرى التي يَنفرِدُ بها أهلُ الذِّمةِ، فلا يُمنَعونَ في الأَخيرةِ من إِظهارِ عِباداتِهم (٢).

رابِعًا: اختيارُ العَملِ:

يَتمتَّعُ الذِّميُّ باختيارِ العَملِ الذي يَراه مُناسِبًا للتَّكسُّبِ، فيَشتغِلُ بالتِّجارةِ والصِّناعةِ كما يَشاءُ، فقد صرَّحَ الفُقهاءُ بأنَّ الذِّميَّ في المُعامَلاتِ كالمُسلمِ، هذا هو الأصلُ، وهناك استِثناءاتٌ في هذا المَجالِ، ستأتي في بَحثِ ما يُمنَعُ منه الذِّميُّونَ.

أمَّا الأَشغالُ والوَظائِفِ العامةُ، فما يُشترطُ فيه الإسلامُ كالخِلافةِ والإِمارةِ على الجِهادِ والوَزارةِ وأمثالِها، فلا يَجوزُ أنْ يَعهدَ بذلك إلى ذِميٍّ،


(١) «بدائع الصنائع» للكاساني (٧/ ١١٣).
(٢) «المهذب» (٢/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>