الرُّكنُ الثَّاني: الصِّيغةُ:
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّه يُشترَطُ في عَقدِ الإجارةِ صِيغةٌ، وهي الإيجابُ والقَبولُ، واختَلفوا: هَلْ تَنعقِدُ بغَيرِ لَفظِ الإجارةِ كالبَيعِ أو لا؟ وهَل تَنعقِدُ بالمُعاطاةِ أو لا؟ فأجازَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ والشافِعيَّةُ في قَولِ انعِقادِها بالمُعاطاةِ؛ كالبَيعِ، وكَذا بلَفظِ البَيعِ على التَّفصيلِ الآتي:
قالَ الحَنفيَّةُ: رُكنُ الإجارةِ الإيجابُ والقَبولُ، سَواءٌ كانَ بلَفظِ الإجارةِ والِاستِئجارِ والِاكتِراءِ والإكراءِ، فإذا وُجِدَ ذلك فقَد تَمَّ الرُّكنُ.
وَكَذا بما يَدلُّ عليها؛ فتَنعقِدُ بلَفظِ العاريةِ حتى لَو قالَ لِغَيرِهِ: أعَرتُكَ هذه الدَّارَ شَهرًا بكَذا، أو قالَ: كلُّ شَهرٍ بكَذا، وقَبِلَ المُخاطَبُ، كانَتِ الإجارةُ صَحيحةً؛ لأنَّها مَأْخوذةٌ مِنْ التَّعاوُرِ والتَّداوُلِ، وهو كَما يَكونُ بغَيرِ عِوَضٍ يَكونُ بعِوَضٍ، والتَّعاوُرُ بَعِوَضٍ إجارةٌ، بخِلافِ العاريةِ، حَيثُ لا تَنعقِدُ بلَفظِ الإجارةِ، حتى لَو قالَ: آجَرتُكَ هذه الدَّارَ بغَيرِ عِوَضٍ، كانَتْ إجارةً فاسِدةً، ولا تَكونُ عاريةً؛ لأنَّها عَقدٌ خاصٌّ لِتَمليكِ المَنفَعةِ، كَما لَو قالَ: بِعتُكَ هذه العَينَ بغَيرِ عِوَضٍ، كانَ باطِلًا، أو فاسِدًا، ولا تَكونُ هِبةً.
وَلَو قالَ: وَهَبتُكَ مَنافِعَ هذه الدَّارِ شَهرًا بكَذا، يَجوزُ، وتَكونُ إجارةً.
وَفي انعِقادِها بلَفظِ البَيعِ قولانِ في المَذهبِ الأولِ: لا تَنعقِدُ بلَفظِ البَيعِ؛ لأنَّه وُضِعَ لِتَمليكِ الأعيانِ، والإجارةُ تَمليكُ مَنافِعَ مَعدومةٍ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَعدومةٌ، وهي لَيسَتْ بمَحَلٍّ لِلبَيعِ، وتَكونُ إجارةً فاسِدةً، كَما لَو قالَ لِآخَرَ: اشترَيتُ مِنْكَ خِدمةَ عَبدِكَ هذا شَهرًا بكَذا، فهي إجارةٌ فاسِدةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute