لِصَرفِ المَنفَعةِ إليها، ولا يَحِلُّ المَنعُ عن الانتِفاعِ لِأجْلِ تلكَ الجِهةِ، فلا يَجوزُ أخْذُ الأجْرِ عليه (١).
الشَّرطُ الخامِسُ: أنْ تَكونَ المَنفَعةُ مُباحةً:
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّه يُشترَطُ في المَنفَعةِ أنْ تَكونَ مُباحةَ الِاستِيفاءِ، فإنْ كانَتْ مَحظورةَ الِاستِيفاءِ لَم تَجُزِ الإجارةُ، فلا تَصحُّ الإجارةُ على المَعاصي؛ كاستِئجارِ الإنسانِ لِلَّعِبِ واللَّهوِ؛ وكاستِئجارِ المُغنِّيةِ والنَّائِحةِ لِلغِناءِ والنَّوْحِ، وكَذا سائِرُ المَلاهي؛ لأنَّه استِئجارٌ على المَعصيةِ، والمَعصيةُ لا يُتصوَّرُ استِحقاقُها بالعَقدِ؛ فلا يَجِبُ عليه الأجْرُ مِنْ غيرِ أنْ يَستَحقَّ هو على الأجيرِ شَيئًا؛ إذِ المُبادَلةُ لا تَكونُ إلَّا باستِحقاقِ كلِّ واحِدٍ مِنهما على الآخَرِ، ولَوِ استَحقَّ عليه لِلمَعصيةِ لَكانَ ذلك مُضافًا إلى الشَّارِعِ مِنْ حَيثُ إنَّه شَرَعَ عَقدًا مُوجِبًا لِلمَعصيةِ، تَعالى اللَّهُ عن ذلك عُلُوًّا كَبيرًا، ولأنَّ الأجيرَ والمُستَأجِرَ مُشتَرِكانِ في مَنفَعةِ ذلك في الدُّنيا، فتَكونُ الإجارةُ واقِعةً على عَملٍ هو فيه شَريكٌ.
وَكَذا استِئجارُ رَجُلٍ لِيَقتُلَ له رَجُلًا، أو لِيَشُجَّه أو لِيَسجُنَه أو لِيَضرِبَه ظُلمًا، وكَذا كلُّ إجارةٍ وَقَعَتْ لِمَظلِمةٍ؛ لأنَّه استِئجارٌ لِفِعلِ مَعصيةٍ، فلا يَكونُ المَعقودُ عليه مَقدورَ الِاستيفاءِ شَرعًا.
وَكَذا الِاستِئجارُ لِتَعليمِ التَّوراةِ أو الإنجيلِ أو السِّحرِ أو الفُحشِ
(١) «المبسوط» (١٦/ ٣٨)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٣١)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٣)، و «الهندية» (٤/ ٤٥٠).