للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأنَّ ما شُرِعَ له الرَّهنُ -وهو الحاجةُ إلى تَوثيقِ الدَّيْنِ- يُوجَدُ في الحالتَيْنِ -السَّفَرِ والحَضَرِ-، وهو الرَّهنُ عن هَلاكِ الحَقِّ بالجُحودِ والإنكارِ وتَذكُّرِه عندَ السَّهوِ والنِّسيانِ، والنَّصُّ على السَّفَرِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى ليس لِتَخصيصِ الجَوازِ، بل هو إخراجُ الكَلامِ مَخرَجَ الغالِبِ؛ لِكَونِ الكاتِبِ يُعدَمُ في السَّفَرِ في الأغلَبِ، ولِهذا لَم يُشترَطْ عَدَمُ الكاتِبِ، وهو مَذكورٌ معه أيضًا.

ولأنَّها وَثيقةٌ تَجوزُ سَفَرًا جازَتْ حَضَرًا كالضَّمينِ؛ ولأنَّ كلَّ حالةٍ جازَ فيها الضَّمينُ جازَ فيها الرَّهنُ، كالسَّفَرِ، فأمَّا الآيةُ فإنَّما ذُكِرَ فيها السَّفَرُ لِتَعذُّرِ الشَّهادةِ فيه في الأغلَبِ، لا لأنَّه شَرطٌ فيه.

وبُعِثَ النَّبيُّ والناسُ يَتعامَلونَ به، فأقَرَّهم عليه، وعليه الإجماعُ (١).

الرَّهنُ غيرُ واجِبٍ:

قال ابنُ قُدامةَ : والرَّهنُ غيرُ واجِبٍ، لا نَعلَمُ فيه مُخالِفًا؛ لأنَّه وَثيقةُ بالدَّينِ فلَم يَجِبْ كالضَّمانِ والكَفالةِ، وقَولُ اللهِ تَعالَى: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] إرشادٌ لَنا، لا إيجابٌ علينا، بدَليلِ قَولِ اللهِ تَعالَى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]؛ ولأنَّه أمَرَ به عندَ إعوازِ الكِتابةِ، والكِتابةُ غيرُ واجِبةٍ، فكذلك بَدَلُها (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٣٥)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ١٨٠)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٥)، و «المغني» (٤/ ٢١٥)، و «شرح مسلم» (١١/ ٤٠).
(٢) «المغني» (٤/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>