للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنَعَ الحَنفيَّةُ استِئجارَ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ مُطلَقًا، قالوا: ولا تَجوزُ إجارةُ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ، ولا تِبْرِهِما، وكَذا تِبْرُ النُّحاسِ والرَّصاصِ (١).

وَذَهَبَ الحَنابِلةُ وبَعضُ المالِكيَّةِ إلى جَوازِ استِئجارِ النُّقودِ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ لِلتحَلِّي والوَزنِ مدَّةً مَعلومةً؛ لأنَّ نَفْعَها مُباحٌ يُستَوفَى مع بَقاءِ العَينِ، كالحُلِيِّ.

قالَ القَرافيُّ : ومَنَعَ ابنُ القاسِمِ استِئجارَ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ لِتَزيينِ الحَوانيتِ، وكلِّ ما لا يَرِفُّ خَشيةَ السَّلفِ بزِيادةِ الأُجرةِ، وأجازَ ذلك القاضي أبو بَكرٍ وغَيرُه، إذا كانَ رَبُّها حاضِرًا مَعَها، وجَوَّزَه الأئِمَّةُ مُطلَقًا؛ إلَّا الشَّافِعيَّ، مَنَعَه لِعَدَمِ التَّقويمِ، ومَنَعَ الطَّعام لِلزِّينةِ، والتُّفَّاحةَ لِلشَّمِّ، بخِلافِ التُّفَّاحِ الكِبارِ ومَنَعَ الأشجارَ لِلتَّجفيفِ، كلُّ ذلك لِعَدَمِ التَّقويمِ (٢).

المَسألةُ الثَّانيةُ: استِئجارُ الكَلبِ والطَّيرِ لِلصَّيدِ ولِلحِراسةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في استِئجارِ الكَلبِ لِلصَّيدِ ونَحوِهِ؛ كَحِراسةِ ماشيةٍ أو زَرعٍ أو دَربٍ.

فذهبَ الحَنفيَّةُ -في المَذهبِ- والشَّافعيَّةُ -في الأصَحِّ- والحَنابِلةُ -في المَذهبِ- إلى أنَّه لا يَجوزُ استِئجارُه في كُلٍّ مِنْ ذلك، لأنَّ الكَلبَ لا قيمةً لِعَينِه، فكَذا لِمَنفعَتِه، ولأنَّ المَنفَعةَ المَطلوبةَ منه غيرُ مَقدورةِ الِاستِيفاءِ؛ إذْ لا يُمكِنُ إجبارُ الكَلبِ على الصَّيدِ؛ فلَم تَكُنِ المَنفَعةُ التي هي مَعقودٌ عليها مَقدورةَ الِاستِيفاءِ في حَقِّ المُستَأجِرِ، فلَم تَجُزْ.


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٥، ١٧٦).
(٢) «الذخيرة» (٥/ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>