للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكَمينِ مِنْ أهلِهما، قالَ أبو بَكرٍ الجَصاصُّ : وإنَّما أمَرَ اللهُ تعالَى بأنْ يكونَ أحَدُ الحكَمينِ مِنْ أهلِها والآخَرُ مِنْ أهلِه؛ لئلَّا تَسبقَ الظِّنةُ إذا كانَا أجنَبيينِ بالمَيلِ إلى أحدِهما، فإنْ كانَ أحدُهما مِنْ قِبَلِه والآخَرُ مِنْ قِبلِها زالَتِ الظِّنةُ وتكلَّمَ كلُّ واحدٍ منهُما عمَّن هو مِنْ قِبَلِه (١).

وكذا ذكَرَ الكاسانِيُّ فقالَ: رُفِعَ الأمرُ إلى القاضي ليُوجِّهَ إليهما حكَمينِ حكَمًا مِنْ أهلِه وحكَمًا مِنْ أهلِها كما قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: ٣٥] (٢).

٤ - صفةُ الحكَمينِ وصَلاحيتُهما، وهل هُما حكَمانِ أم وكيلانِ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في المُبعوثَينِ، هل هُما حكَمانِ يَفعلانِ ما يرَيانِ أنَّه المصلحةُ للزَّوجينِ مِنْ جَمعٍ أو تَفريقٍ بطَلاقٍ أو خُلعٍ؟ أم هُما وَكيلانِ عنِ الزَّوجينِ لا يُبعثانِ إلا برِضاهُما وتَوكيلِهما ولا يَملكانِ التَّفريقَ إلا بإذنِهما؟

فذهَبَ الحنفيَّةُ والشَّافعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ المبعوثَينِ وكيلانِ عنِ الزَّوجينِ لا يَملكانِ التَّفريقَ إلَّا بإذنِهما جَميعًا؛ لأنَّ البُضعَ حقُّه والمالَ حقُّها وهُما رشيدانِ، فلا يَجوزُ لغيرِهما التَّصرفُ فيه إلَّا بوَكالةٍ منهُما أو ولايةٍ علَيهما، ولأنَّ الطَّلاقَ لا يَدخلُ تحتَ الولايةِ إلَّا في المولَى، وهو خارِجٌ عنِ القِياسِ.


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ١٥١).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>