للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيارُ الشَّرطِ في الخُلعِ:

اختَلفَ فُقهاءُ الحَنفيةِ: هل يَصحُّ خِيارُ الشَّرطِ في الخُلعِ أم لا؟ أم يَصحُّ للزَّوجةِ ولا يَصحُّ للزَّوج؟ فاتَّفقُوا على أنَّه لا يَصحُّ خِيارُ الشَّرطِ للزَّوجِ في الخُلعِ، وأمَّا الزَّوجةُ فعندَ أبي حَنيفةَ يَصحُّ لها خيارُ الشَّرطِ، وعندَهما لا يَصحُّ.

قالَ الإمامُ أبو حَنيفةَ : يَصحُّ خِيارُ الشَّرطِ للزَّوجةِ في الخُلعِ ولا يَصحُّ للزَّوجِ؛ لأنَّ الخُلعَ مِنْ جانبِها مُعاوَضةٌ؛ لكَونِ المَوجودِ مِنْ جِهتِها مالًا، ولهذا يَصحُّ رُجوعُها قبْلَ القَبولِ، ولا تَصحُّ إضافتُه وتَعليقُه بالشَّرطِ، ولا يَتوقفُ على ما وَراءِ المَجلسِ، فصارَ كالبيعِ، ولا نُسلِّمُ أنه للفَسخِ بعدَ الانعقادِ، بل هو مانعٌ مِنْ الانعقادِ في حقِّ الحُكمِ، وكونُه شَرطًا ليَمينِ الزَّوجِ لا يَمنعُ أنْ يكونَ معاوَضةً في نَفسِه؛ كمَن قالَ لآخرَ: «إنْ بعتُكَ هذا العبدَ فعَبديَ الآخَرُ حُرٌّ» فإنَّ البَيعَ شَرطٌ لعِتقِ العبدِ، وهو في نَفسِه معاوَضةٌ


= لأنها أُجريَتْ مَجرى الشَّرطِ والجزاءِ؛ بدليلِ قولِه تعالَى في قصَّةِ شُعيبٍ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص: ٢٧] وقولِه تعالى: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٤]، فعلى هذا إذا قالَ: «أنتِ طالقٌ على ألفٍ، أو بألفٍ» فقالَتْ: «قبلْتُ واحدةً بثُلُثِ الألفِ» لم يقَعْ؛ لأنها لم تقبَلْ ما بذلَه، فأشبَهَ ما لو قالَ: «بعتُكَ عَبيدِي الثَّلاثةَ بألفٍ» فقالَ: «قبلْتُ واحِدًا بثُلثِ الألفِ»، وإنْ قالَتْ: «قبلْتُ واحِدةً بألفٍ» وقَعَ الثَّلاثُ واستَحقَّ الألفَ؛ لأنه علَّقَ الثَّلاثَ على بذلِها للألفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>