للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّورةُ الأُولى: أنْ يُطلِّقَها وهو صَحيحٌ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ الزوجَ إذا طلَّقَ زَوجتَه طلاقًا بائنًا أو ثلاثًا فإنْ لم تَرِثْ بأنْ طلَّقَها في حالَةِ الصِّحةِ لا تَنتقلُ عدَّتُها إلى عدَّةِ الوَفاةِ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى أوجَبَ عدَّةَ الوَفاةِ على الزَّوجاتِ بقَولِه ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤]، وقد زالَتِ الزَّوجيةُ بالإبانةِ والثَّلاثِ، فتَعذَّرَ إيجابُ عدَّةِ الوَفاةِ، فبَقيَتْ عدَّةُ الطلاقِ على حالِها (١).

الصُّورةُ الثانيةُ: أنْ يُطلِّقَها بائِنًا أو ثَلاثًا وهو مَريضٌ ثم يَموتُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو طلَّقَ الزَّوجُ زَوجتَه طلاقًا بائنًا أو ثلاثًا في مَرضِ المَوتِ فاعتَدَّتْ ثم ماتَ وهي في العدَّةِ، هل تَنتقلُ إلى عدَّةِ الوَفاةِ أم لا؟

فذهَبَ الإمامُ أبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ والمالِكيةُ والشافِعيةُ وابنُ المُنذِرِ إلى أنها لا تَنتقلُ إلى عدَّةِ الوَفاةِ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ عدَّةَ المُطلَّقاتِ الأقراءَ، ولأنهُم قد أجمَعُوا على أنَّ المُطلَّقةَ بثَلاثٍ لو ماتَتْ لم يَرثْها المُطلِّقُ؛ وذلك لأنها غَيرُ زَوجةٍ، وإذا كانَتْ غيرَ زَوجةٍ له فهو غيرُ زَوجٍ لها؛ لأنَّ الشرعَ إنما أوجَبَ عدَّةَ الوَفاةِ على الزَّوجاتِ، وقد بطَلَتِ الزَّوجيةُ بالطَّلاقِ البائنِ، إلا أنَّا أبقَيْناها في حَقِّ الإرثِ خاصَّةً لتُهمةِ الفِرارِ، فمَن ادَّعَى بَقاءَها في حَقِّ وُجوبِ عدَّةِ الوفاةِ فعَليهِ الدَّليلُ، ولأنَّ اللهَ قالَ: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وقَولهُ:


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٠٠)، و «المغني» (٨/ ٩٤)، و «المَصادِر السَّابقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>