والثالِثةُ: أنَّها تَجِبُ على المُرضِعِ دونَ الحامِلِ؛ لأنَّ الحامِلَ مَريضةٌ، والمُرضِعَ ليست بمَريضةٍ.
أمَّا إنْ خافَتا على وَلدَيْهما فأفطَرَتا:
فاختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو أفطَرت الحامِلُ أو المُرضِعُ بسَببِ الخَوفِ على وَلَدَيْهما هل يَجِبُ عليهما الفِديةُ أو لا؟
فذهَب الشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ إلى أنَّ عليهما القَضاءَ والفِديةَ، وهي إطعامُ مِسكينٍ عن كلِّ يَومٍ، لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] وهُما داخِلتان في عُمومِ الآيةِ.
ولِما رَواه البَيهَقيُّ عن ابنِ عَباسٍ ﵄ قال:«رُخِّصَ لِلشَّيخِ الكَبيرِ والعَجوزِ الكَبيرةِ في ذلك وهُما يُطيقان الصَّومَ أنْ يُفطِرا إنْ شاءا ويُطعِما كل يَومٍ مِسكينًا ولا قَضاءَ عليهما، ثم نُسِخَ ذلك في هذه الآيةِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وثبَت لِلشَّيخِ الكَبيرِ والعَجوزِ الكَبيرةِ إذا كانا لا يُطيقان الصَّومَ، والحُبلى والمُرضِعِ إذا خافَتا أفطَرتا وأطعَمتا كلَّ يَومٍ مِسكينًا»(١).
(١) رواه البيهقي (٤/ ٢٣٠)، والطبري (٢٧٥٢، ٢٧٥٣)، وابن الجارود في «المنتقي» (٣٨١)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٩١٢)، وقال: رواه أبوداود (٢٣١٨) عنِ ابنِ عباسٍ، إلا أنَّه اختصَره اختِصارًا مُخِلًّا ولَفظُه: «كانت رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذا خَافَتَا، قال أبو دَاوُدَ: يَعْنِي على أَوْلَادِهِمَا، أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا». فصارَتِ الرِّوايةُ تُعطي التَّرخيصَ لِلشَّيخِ والمَرأةِ بالإفطارِ، وهُما يُطيقانِ الصَّومَ. والواقِعُ أنَّ هذا مَنسوخٌ.