ويُفارِقُ مَنْ له جارٌ مُقيمٌ على المنكَرِ والزَّمرِ، حيثُ يُباحُ له المُقامُ، فإنَّ تلكَ حالُ حاجةٍ؛ لِمَا في الخُروجِ مِنْ المَنزلِ مِنْ الضررِ.
فصلٌ: فإنْ رَأى نُقوشًا وصُورَ شَجرٍ ونحوَها فلا بأسَ بذلكَ؛ لأنَّ تلكَ نُقوشٌ، فهيَ كالعَلمِ في الثوبِ، وإنْ كانَتْ فيه صوَرُ حيوانٍ في مَوضعٍ يُوطأُ أو يُتَّكأُ عليها كالتي في البسُطِ والوَسائدِ جازَ أيضًا وإنْ كانتْ على السُّتورِ والحِيطانِ، وما لا يُوطأُ وأمكَنَه حَطُّها أو قَطعُ رُؤوسِها فعَلَ وجلَسَ، وإنْ لم يُمكنْ ذلكَ انصرَفَ ولم يَجلسْ، وعلى هذا أكثَرُ أهلِ العلمِ، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا أعدَلُ المَذاهبِ، وحكاهُ عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ وسالمٍ وعُروةَ وابنِ سِيرينَ وعطاءٍ وعِكرمةَ بنِ خالدٍ وعِكرمةَ مولَى ابنِ عبَّاسٍ وسَعيدِ بنِ جُبيرٍ، وهو مَذهبُ الشافعيِّ، وكانَ أبو هُريرةَ يَكرهُ التَّصاويرَ ما نُصِبَ منها وما بُسِطَ، وكذلكَ مالكٌ، إلا أنه كانَ يَكرهُها تنزُّهًا ولا يَراها مُحرَّمةً، ولَعلَّهم يَذهبونَ إلى عُمومِ قولِ النبيِّ ﷺ:«إنَّ المَلائكةَ لا تَدخلُ بَيتًا فيه صُورةٌ» مُتفَقٌ عليه.
ورُويَ عنِ ابنِ مَسعودٍ «أنه دُعيَ إلى طَعامٍ، فلمَّا قيلَ لهُ: «إنَّ في البيتِ صُورةً» أبَى أنْ يَذهبَ حتَّى كُسرَتْ».
ولنَا: ما رَوتْ عائِشةُ قالَتْ: «قَدِمَ النبيُّ ﷺ مِنْ سَفرٍ وقد ستَرْتُ لي سَهوةً بنَمطٍ فيه تَصاويرُ، فلمَّا رآهُ قالَ: أتسترينَ الخِدرَ بستْرٍ فيه تَصاويرُ، فهتَكَه، قالَتْ: فجعَلْتُ منه مُنْتبَذتينِ كأنِّي أنظُرُ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ مُتكِئًا على أحَدِهما» رواهُ ابنُ عبدِ البَرِّ.