وركوبِ دابتِه والحَملِ عليها وزراعةِ أرضِه ونحوِ ذلك مِنْ منافعِ الأعيانِ مدَّةً معلومةً صحَّتِ التسميةُ؛ لأنَّ هذه المَنافعَ أموالٌ أو التحَقَتْ بالأموالِ شرعًا في سائرِ العقودِ؛ لمَكانِ الحاجةِ، والحاجةُ في النكاحِ مُتحقِّقةٌ، وإمكانُ الدفعِ بالتسليمِ ثابتٌ بتسليمِ مَحالِّها؛ إذ ليسَ فيه استخدامُ المرأةِ زوْجَها، فجُعِلَتْ أموالًا والتحَقَتْ بالأعيانِ، فصحَّتْ تَسميتُها (١).
وأمَّا المالِكيةُ فعندَهُم اختِلافٌ في هذه المَسألةِ، هل يَصحُّ أنْ يكونَ تعليمُ القرآنِ أو شيءٍ منه معلومٍ مَهرًا وكذا المنافعُ كالخدمةِ والإسكانِ ونحوِ ذلك أو إِحْجَاجها عامًا أو تَعليمها فِقهًا أو حَديثًا ونحوه؟
فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ:
القَولُ الأولُ: أنه يَصحُّ معَ الكراهةِ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ للرجلِ:«قد زَوَّجتُكَها بما مَعكَ مِنْ القُرآنِ»، ولأنها منفعةٌ مَعلومةٌ مِنْ غيرِ مَعرفةٍ، فجازَ أنْ يكونَ مهرًا، أصلُه العبدُ إذا تزوَّجَها على خدمةِ سَنةٍ.
والقولُ الثاني: أنَّ النكاحَ إنْ وقَعَ بمنفعةٍ كدارٍ أو عبدٍ أو دابةٍ كأنْ يقولَ: «أتزوَّجُكِ بمَنافعِ داري، أو دابتِي، أو عبدِي سَنةً» ويجعلَ تلكَ المَنافعَ صداقَها، وكأنْ يَجعلَ صداقَها خدمتَه لها في زرعٍ أو بناءِ دارٍ أو سفرِ الحَجِّ
(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٩١، ٩٢)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٧٧، ٢٧٩)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٢٦٧، ٢٦٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٢٧، ٣٢٨)، و «اللباب» (٢/ ٤١)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١٤٥، ١٤٦)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٦٨)، و «عمدة القارئ» (٢٠/ ٤٥).