للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتزوَّجَ بالفَحلِ صاحبِ اللبنِ وهو الذي وَطئَ المرأةَ حتَّى دَرَّ اللبنُ بوَطئِه، فإذا كانَ يَحرِّمُ على الرجلِ أنْ يَنْكِحَ بنتَهُ مِنْ الرَّضاعِ ولا يَثبتُ في حقِّها شيءٌ مِنْ أحكامِ النَّسبِ سِوى التحريمِ وما يَتبعُها مِنَ الحُرمةِ؛ فكَيفَ يُباحُ له نكاحُ بنتٍ خُلقَتْ مِنْ مائِه؟ وأينَ المَخلوقةُ مِنْ مائهِ مِنَ المُتغذِّيةِ بلَبنٍ دُرَّ بوَطئِه؟ فهذا يُبيِّنُ التَّحريمَ من جِهةِ عُمومِ الخِطابِ ومِن جهةِ التنبيهِ والفحوَى وقِياسِ الأَولى.

الثالثُ: أنَّ اللهَ تعالى قالَ: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، قالَ العلماءُ: احتِرازٌ عنِ ابنِه الذي تبنَّاهُ كما قالَ: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧]، ومَعلومٌ أنهم في الجاهِليةِ كانوا يَستلحِقُونَ ولَدَ الزنى أعظَمَ ممَّا يَستلحِقونَ ولَدَ المُتبنِّي، فإذا كانَ اللهُ تَعالى قيَّدَ ذلكَ بقولِه: ﴿مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ عُلِمَ أنَّ لفْظَ البناتِ ونحوِها يَشملُ كلَّ مَنْ كانَ في لُغتِهم داخِلًا في الاسمِ.

وأمَّا قولُ القائلِ: «إنه لا يَثبتُ في حَقِّها المِيراثُ ونحوُه» فجَوابُهُ: أنَّ النسبَ تَتبعَّضُ أحكامُه، فقدْ ثبَتَ بعضُ أحكامِ النَّسبِ دُونَ بعضٍ، كما وافقَ أكثرُ المُنازِعينَ في ولَدِ المُلاعنةِ على أنه يَحرمُ على المُلاعِنِ ولا يَرثُه، واختَلفَ العلماءُ في استِلحاقِ وَلدِ الزنى إذا لم يكنْ فِراشًا على قولَينِ، كما ثبَتَ عنِ النبيِّ أنه ألحَقَ ابنَ وليدةِ زَمعةَ بنِ الأسوَدِ بزَمعةَ بنِ الأسوَدِ وكانَ قد أحبَلَها عُتبةُ بنُ أبي وقَّاصٍ، فاختَصمَ فيه سَعدٌ وعبدُ بنُ زَمعةَ، فقالَ سعدٌ: ابنُ أخي عَهِدَ إليَّ أنَّ ابنَ وَليدةِ زَمعةَ هذا ابنِي، فقالَ عَبدٌ: أخِي وابنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>