هذه بنتًا في الشرعِ؛ بدَليلِ أنهما لا يَتوارثانِ ولا يَجبُ نفقتُها ولا يَلِي نكاحَها ولا تُعتَقُ عليهِ بالمِلكِ ونحوِ ذلكَ مِنْ أحكامِ النسبِ، وإذا لم تَكنْ بنتًا في الشرعِ لم تَدخلْ في آيةِ التَّحريمِ، فتَبقَى دِاخلةً في قولِهِ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤].
وأمَّا حُجَّةُ الجُمهورِ فهو أنْ يُقالَ: قولُ اللهِ تعالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ … ﴾ [النساء: ٢٣] الآية هوَ متناوِلٌ لكِلِّ مَنْ شَملَهُ هذا اللفظُ، سواءٌ كانَ حقيقةً أو مَجازًا، وسواءٌ ثبَتَ في حقِّه التوارثُ وغيرُه مِنَ الأحكام أم لم يَثبتْ إلا التَّحريمُ خاصةً، ليسَ العُمومُ في آيةِ التَّحريمِ كالعُمومِ في آيةِ الفَرائضِ ونحوِها، كقولِه تعالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، وبيانُ ذلك مِنْ ثَلاثةِ أوجهٍ:
أحَدُها: أنَّ آيةَ التَّحريمِ تَتناولُ البنتَ وبِنتَ الابنِ وبنتَ البنتِ، كما يَتناولُ لَفظُ العمَّةِ عمَّةَ الأبِ والأمِّ والجَدِّ، وكذلكَ بنتُ الأختِ وبنتُ ابنِ الأختِ وبنتُ بنتِ الأختِ، ومثلُ هذا العُمومِ لا يَثبتُ لا في آيةِ الفَرائضِ ولا نحوِها مِنْ الآياتِ والنُّصوصِ الَّتي علَّقَ فيها الأحكامَ بالأنسابِ.
الثاني: إنَّ تَحريمَ النكاحِ يَثبتُ بمُجرَّدِ الرَّضاعةِ، كما قالَ النبيُّ ﷺ:«يَحرمُ مِنْ الرَّضاعةِ ما يَحرمُ مِنْ الوِلادةِ» وفي لفظٍ: «ما يَحرمُ مِنَ النَّسَبِ»، وهذا حديثٌ مُتفَقٌ على صحتِه وعَمِلَ الأئمةُ به، فقدْ حرَّمَ اللهُ على المرأةِ أنْ تتزوَّجَ بطِفلٍ غذَّتْهُ مِنْ لَبنِها أو أنْ تَنْكِحَ أولادَه، وحرَّمَ على أمَّهاتِها وعمَّاتِها وخالتِها، بل حرَّمَ على الطفلةِ المُرتضِعَةِ مِنْ امرأةٍ أنْ