حَدَّثنا الحسَنُ بنُ سلامٍ السَّواقُ قالَ: حَدَّثنا الفضلُ بنُ دُكينٍ قال: حَدَّثنا عبدُ السلامِ عنِ الحجَّاجِ عَنْ أبي خالدٍ عنِ المِنهالِ عن سَعيدِ بنِ جبيرٍ قالَ: قلتُ لابنِ عبَّاسٍ: هل تَدرِي ما صَنعْتَ وبما أفتيْتَ؟! قد سارَتْ بفُتياكَ الرُّكبانُ وقالَتْ فيهِ الشعراءُ، قالَ: وما قالَتْ؟ قلتُ: قالُوا:
قَدْ قُلتُ للشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مُحبَسُهُ … يا صاحِ هل لك في فَتوَى ابنِ عَبَّاسٍ
هل لكَ في رُخصةِ الأطرافِ آنِسةً … تَكونُ مَثواكَ حَتَّى يَصدُرَ النَّاس
فقالَ ابنُ عباسٍ: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ، واللهِ ما بهذا أفتَيتُ ولا هذا أردْتُ، ولا حلَّلتُ إلَّا مِثلَ ما أحلَّ اللهُ مِنَ المَيتةِ والدمِ ولَحمِ الخِنزيرِ، وما تَحِلُّ إلَّا للمُضطرِّ، وما هيَ إلَّا كالميتةِ والدمِ ولَحمِ الخِنزيرِ.
قالَ الشيخُ: فهذا يُبيِّنُ لكَ أنه إنَّما سلَكَ فيهِ مَذهبَ القياسِ وشبَّهَه بالمُضطرِّ إلى الطعامِ، وهوَ قياسٌ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الضرورةَ في هذا البابِ لا تتحقَّقُ كهي في بابِ الطعامِ الَّذي بهِ قوامُ النَّفسِ وبعَدمِه يَكونُ التلفُ، وإنَّما هذا منِ بابِ غَلَبةِ الشهوةِ، ومُصابَرتُها مُمكِنةٌ، وقد تُحسَمُ حِدَّتُها بالصومِ والعِلاجِ، فليسَ أحدُهما في حُكمِ الضرورةِ كالآخَرِ (١).