للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إنِ اشتُرِطَ خِيارُ الشَّرطِ في عَقدِ النِّكاحِ فإنَّ النكاحَ صَحيحٌ ويَبطلُ الشَّرطُ.

قالَ الحَنفيةُ: إذا تزوَّجَ الرَّجلُ امرأةً واشتَرطَ فيه لأحَدِهما أو لهُمَا خِيارًا فالنكاحُ جائِزٌ والخِيارُ باطِلٌ؛ لقَولِه : «ثَلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزلُهنَّ جِدٌّ: النكاحُ والطَّلاقُ والعِتاقُ»، والهَزلُ واشتِراطِ الخِيارِ سَواءٌ؛ لأنَّ الهازِلَ قاصِدٌ إلى مُباشَرةِ السَّببِ غَيرُ راضٍ بحُكمِه، بل أَولى؛ فإنَّ الهازِلَ غيرُ راضٍ بالحُكمِ أبَدًا، وشارِطُ الخِيارِ غيرُ رَاضٍ بالحُكمِ في وَقتٍ مَخصوصٍ، فإذا لم يَمنعِ الهَزلُ تَمامَه فاشتِراطُ الخِيارِ أَولى، والمَعنى فيهِ أنه قد لا يَحتملُ الفَسخَ بعدَ تَمامِه ولا يَقبلُ خِيارَ الشَّرطِ، فاشتِراطُ الخِيارِ فيه لا يَمنعُ تَمامَه كالطَّلاقِ والعِتاقِ بمَالٍ؛ وهذا لأنَّ اشتِراطَ الخِيارِ لا يَمنعُ انعِقادَ أصلِ السَّببِ مُطلَقًا، وإنَّما يُعدِمُ الرِّضا بلُزومِه كما في البَيعِ، ومِن ضَرورةِ انعِقادِ النكاحِ صَحيحًا اللُّزومُ، فاشتِراطُ الخِيارِ فيه يَكونُ شَرطًا فاسِدًا، والنكاحُ لا يَبطلُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ ولا تَتوقَّفُ صحَّتُه ولُزومُه على تَمامِ الرِّضا؛ أَلَا تَرَى أنَّ تَمامَ الرِّضا إنَّما يكونُ بعدَ الرُّؤيةِ كما في البَيعِ، ثمَّ عَدمُ الرُّؤيةِ لا يَمنعُ صحَّةَ النكاحِ ولُزومَه، حتَّى لا يَثبتُ فيه خِيارُ الرُّؤيةِ، بخِلافِ الإضافةِ إلى وَقتٍ، فإنه يَمنعُ انعِقادَ السَّببِ في الحالِ؛ أَلَا تَرَى أنَّ مِثلَه لا يَصحُّ في البَيعِ، بخِلافِ التَّوقيتِ؛ فإنه يَمنعُ انعِقادَ السَّببِ فيما وَراءَ الوَقتِ المَنصوصِ عليهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>