كُنَّا مَعشرَ قُريشٍ نَجيءُ النِّساءَ، فلمَّا دخَلْنا المَدينةَ ونكَحْنا نِساءَ الأنصارِ أرَدْنا مِنهنَّ ما كُنَّا نُريدُ مِنْ نِسائِنا، وإذا هُنَّ قد كَرهْنَ ذلكَ وأعظَمْنَه، وكانَتْ نِساءُ الأنصارِ إنَّما يُؤتَينَ على جُنوبِهنَّ، فأنزَلَ اللهُ تعالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
قالَ القاضي: وسألْتُ الإمامَ القاضي الطُّوسيَّ عن المسألةِ فقالَ: لا يَجوزُ وَطءُ المرأةِ في دُبرِها بحالٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى حرَّمَ الفَرجَ حالَ الحَيضِ لأجْلِ النَّجاسةِ العارِضةِ، فأَولى أنْ يُحرِّمَ الدُّبرَ بالنَّجاسةِ اللازِمةِ (١).
وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ ﵀: وذهَبَتْ فِرقةٌ إلى أنَّ الوطءَ في الدُّبرِ مُباحٌ، وممَّن نُسِبَ إليه هذا القولُ سعيدُ بنُ المُسيِّبِ ونافعٌ وابنُ عمرَ ومُحمَّدُ بنُ كعبٍ القُرظيُّ وعبدُ الملِكِ بنِ الماجشُون، وحُكيَ ذلكَ عن مالِكٍ في كِتابٍ له يُسمَّى «كِتاب السَّرِّ»، وحُذَّاقُ أصحابِ مالكٍ ومَشايخُهم يُنكِرونَ ذلكَ الكتابَ، ومالكٌ أجَلُّ مِنْ أنْ يكونَ له كتابُ سِرٍّ، ووقَعَ هذا القَولُ في «العتبيَّة»، وذكَرَ ابنُ العرَبيِّ أنَّ ابنَ شَعبانَ أسنَدَ جوازَ هذا القَولِ إلى زُمرةٍ كَبيرةٍ مِنْ الصَّحابةِ والتابعينَ، وإلى مالكٍ مِنْ رِواياتٍ كَثيرةٍ في كِتابِ «جِماع النِّسوانِ وأحكَام القُرآنِ»، وقالَ الكِيَا الطَّبريُّ: ورُويَ عن مُحمدٍ بنِ كَعبٍ القُرظيِّ أنه كانَ لا يَرَى بذلكَ بأسًا …
(١) «أحكام القرآن» (١/ ٢٣٨، ٢٣٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute